دمشق– يعتبر شكل الحكومة المقبلة بعد سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد، ودخول إدارة العمليات العسكرية العاصمة دمشق، تحديا كبيرا يقع على عاتق الحكومة الجديدة المؤقتة، التي انتقلت من العمل في إدارة مدينة إدلب لتسيير أعمال الحكومة السورية بعد استلام الوزارات من حكومة النظام السابق.
وكشف المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة لقيادة العمليات العسكرية، عبيدة أرناؤوط، للجزيرة نت أن الحكومة الجديدة ستكون حكومة تكنوقراط، وأنها ستمنع وجود مجموعات مسلحة خارج نطاق وزارة الدفاع، وستحافظ على الجيش العربي السوري.
وأضاف أن “رؤيتنا للإدارة بعد سقوط الأسد هي أن تكون دولة طبيعية دون تكلّف، منسجمة مع ثقافة الشعب السوري والثقافة العربية، دولة متنوعة الأعراق، منسجمة مع الأمم المتحدة والوسط المحيط، ولا تشكل تهديدا لدول المنطقة”.
وشدد على أن الأقليات جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي في سوريا، وقال “لن نسمح بأي تعدٍّ عليهم، لهم ما للشعب من حقوق، وعليهم ما عليه من واجبات، وسنخلي مناطقهم وكل المناطق السكنية السورية من أي وجود للعسكريين، وستكون المنشآت العسكرية بعيدة عن المدنيين، وسنراعي خصوصية كل منطقة”.
وأما عن التوغل العسكري الإسرائيلي بشكل أكبر داخل الحدود السورية بعد سقوط الأسد، فقال أرناؤوط إن الهجوم الإسرائيلي على الأراضي السورية هو “انتهاك غير مبرر”.
تسيير الأعمال
ومن جانب آخر، عقب سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد إلى روسيا، ودخول إدارة العمليات العسكرية دمشق، عقدت القيادة العامة للإدارة اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة ملفات الوزارات والإدارات العامة لحكومة الإنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر.
وفور تسلم المهندس محمد البشير رئاسة الحكومة المؤقتة، أعلنت إدارة الشؤون السياسية أن سوريا الجديدة ستكون دولة قانون تضمن الكرامة والعدالة ومؤسسات تعكس طموحات الشعب السوري.
ووجهت الشكر لكل من مصر والعراق والسعودية والإمارات والأردن والبحرين وسلطنة عُمان والسودان والجزائر وكذلك إيطاليا “لاستئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق”، وكشفت عن خطط لدولة قطر وتركيا لإعادة افتتاح سفارتهما في سوريا.
وقال البشير، في تصريح على قناة رئاسة الوزراء السورية في منصة تليغرام، إن “حكومة تصريف الأعمال استلمت الملفات والمؤسسات الحكومية، مع ضمان عودة العاملين إليها وتفعيل دورها، بما يسهم في تقديم الخدمات لأهلنا في سوريا الحرة”.
وأضاف أن مهام الحكومة تتمثل بتسيير الأعمال في ضبط الأمن والحفاظ على استقرار المؤسسات وضمان عدم تفكك الدولة، كما تسعى لتقديم الخدمات الأساسية للشعب، وذلك إلى حين تشكيل حكومة جديدة لسوريا تحقق تطلعات المجتمع السوري.
كما أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قرارا باستئناف العملية التعليمية في المدارس والجامعات العامة والخاصة اعتبارا من يوم غدٍ الأحد، مع التأكيد على جاهزية جميع المؤسسات لضمان سير العملية التعليمية بشكل منظم وفعّال.
تعذيب المعتقلين
وشكّل اختفاء عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون والأفرع الأمنية وعلى رأسها سجن صيدنايا سيئ الصيت، والذي كان يضم معتقلي الرأي والمنشقين عن النظام السوري السابق ومن شارك في المظاهرات، موجة من الغضب في أوساط المجتمع بعد فقد الأمل بوجود أبنائهم على قيد الحياة.
وقالت السورية سلوى العبد الله، للجزيرة نت، إن النظام السابق اعتقل ابنها في عام 2014 وهو في طريق عودته من الجامعة مع 12 من زملائه كانوا في سيارة واحدة، وكانت الأخبار تصل العائلة، كل فترة، عن وجوده في سجن صيدنايا، وقالت “أنتظر عودته في كل ليلة، ولكن لم يعد حتى فقدت الأمل”.
وأضافت “مع اقتراب الثوار من دمشق، حيث بدأت الأخبار تتحدث عن الاقتراب من سجن صيدنايا، هجر النوم عيوني وتسارعت مع كل ساعة يقتربون من إعلان تحرير السجن دقات قلبي، وكنت أراقب كل فيديو على مواقع التواصل تظهر الخارجين من السجن ولكن لم أجد ولدي وفلذة كبدي”.
وذكرت والدة محمد أنها خرجت من إدلب إلى دمشق لتبحث بين الجثث وبين الأسماء والصور ولكن دون جدوى، معبرة عن حزنها بالقول “مات ولدي محمد مرتين، الأولى عندما سجن، والثانية كانت اليوم لأنني لم أجده، فهل سينجو بشار الأسد من العقاب؟”.
وفي سياق متصل، توعد أحمد الشرع القائد العام لإدارة العمليات العسكرية، في بيان، بملاحقة من تورط بتعذيب السجناء، بالتوازي مع التسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنح العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية.
وقال الشرع في بيانه “لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري. سنلاحق مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل”.
وأوضح القائد العام أنهم سيعلنون عن قائمة “رقم 1” تتضمن أسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري، كما تعهد بتقديم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب.
وفي وقت لاحق، أعلنت إدارة الشؤون السياسية عن تسليم المواطن الأميركي ترافيز تيمرمان، الذي كان مختطفا من قبل نظام الأسد، للجانب الأميركي، بعد تحريره من السجون التابعة للنظام السابق.