طهران– عندما كان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يستعد لإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، عبّرت أوساط إيرانية عن قناعتها بضرورة تحركه لوضع حد للعداء المستفحل بين طهران وواشنطن، بل ذهبت شريحة منها إلى القول إن الوقت الراهن مناسب للمصالحة بين الجانبين.
وكانت “جمعية الفائزين بمقاعد البرلمان لعدة دورات” سبّاقة بنشرها رسالة مفتوحة وجهتها إلى الرئيس، تحثه فيها على الوفاء بوعوده الانتخابية بشأن خفض التوتر مع العالم، وتطالبه بالتفاوض مع الولايات المتحدة، والسماح للأخيرة بافتتاح مكتب للشؤون القنصلية في طهران.
ورأت الجمعية، أن الأخطاء التي ارتكبت عقب انتصار الثورة الإيرانية وأدت إلى قطع علاقات طهران مع واشنطن والقاهرة وتوترها مع بعض دول الجوار، أحدثت تحديات كبيرة في طريق تنمية البلاد وأهداف الثورة.
وحضّته على استغلال فرصة حضوره في الأمم المتحدة لفتح صفحة جديدة من التعامل البناء مع الدول الأعضاء وحلحلة الخلافات معها “دون أن يخشى لومة سماسرة العقوبات” على حد وصف أعضاء الجمعية.
في السياق، نقلت صحيفة “ستاره صبح”، عن الباحث في العلاقات الدولية علي صالح آبادي، قوله إنه لا يعرف دولة بلغت السعادة والفلاح في خواتيم عدائها مع الولايات المتحدة. كما أنه لا يعرف دولة استفادت من صداقتها مع روسيا.
وأضاف أنه لا ينبغي لبزشكيان تكرار خطأ الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي عندما رفض لقاء الرئيس الأميركي ووزير خارجيته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000.
فرصة للتفاوض
وتحت عنوان “هل سيذوب جليد العلاقات؟”، يوصي صالح آبادي رئيس بلاده بالتفاوض مع نظيره الأميركي خلافا لما دأب عليه أسلافه في إيران، وأن يكسب امتيازات من الديمقراطيين الذين يتعرضون لضغوط الجمهوريين إلى جانب ضغوط الصين وروسيا في الوقت الراهن.
ويشير آبادي إلى أنه في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في رئاسيات أميركا 2024 ستُضاعف الإدارة الجمهورية من عقوباتها وضغوطها على طهران.
ولم تقتصر الأصوات المنادية بضرورة حلحلة القضايا الشائكة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة في طهران، بل نقلت مؤسسة “تالبيرج” السويدية عن الدبلوماسي الإيراني السابق حسين موسويان، المقيم في الولايات المتحدة، قوله إن الوقت حان للمصالحة ووضع حد للعداء بين طهران وواشنطن.
وأضاف أنه من مصلحة البلدين تبني سياسة تحسين العلاقات بينهما بدلا من استمرار النفخ في نار التخاصم، وأن الظروف مهيأة للرئيس بزشكيان للقيام بهذه المهمة.
وللوقوف على وجهة نظر أبرز المكونات السياسية في الجمهورية الإسلامية وقراءتها للأصوات المنادية بتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، توجهت الجزيرة نت بالسؤال إلى ناشطين سياسيين من المحافظين والإصلاحيين؛ إذ انقسما بشأن إمكانية تطبيق الفكرة، لكنهما أجمعا على أن الظروف الراهنة لم تعد مناسبة لطرح الموضوع أصلا.
رؤية محافظة
من ناحيته، يعارض عضو المجلس المركزي في حزب “مؤتلفة” المحافظ حميد رضا ترقي، فكرة التطبيع مع واشنطن جملة وتفصيلا، موضحا أنه خلافا لما ورد على لسان بعض الأوساط الإصلاحية فإن التطورات الإقليمية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن شدة العداء بين المحور الصهيوأميركي والجمهورية الإسلامية بلغ ذروته منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي حديث للجزيرة نت، استغرب ترقي تعالي الأصوات الداعية إلى التطبيع بين طهران وواشنطن في المرحلة الراهنة، متهما إياها بـ”الإضرار بمصالح الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة الذي يتعرض لحرب صهيوأميركية”، مضيفا أن واشنطن ترد بفرض المزيد من العقوبات والضغوط على كل النوايا الرامية لخفض التوتر بين الجانبين.
ورأى في الولايات المتحدة “ثعلبا غدارا وألد الخصوم” للجمهورية الإسلامية، وأن واشنطن أبت أن تضع سلاح العداء أرضا؛ وقررت الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 ظنا منها أن الاتفاق قد يسهم في خفض التوتر، مؤكدا أنه “مُخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا”.
وخلص إلى أن موقف التيار المحافظ وكوادر الثورة الإسلامية واضح جدا من ترميم العلاقات مع “قوى الاستكبار والناكثة للعهود” و”أصدقاء أعداء” الجمهورية الإسلامية، وأن المرشد الأعلى علي خامنئي جدد هذا الموقف يوم أمس الأربعاء لدى استقباله حشدا من المحاربين القدامى.
وكان خامنئي، قد أرجع سبب العداء الغربي لبلاده إلى الثورة الإسلامية التي قال إنها “خلقت رؤية جديدة لمواجهة الاستكبار ولإدارة العالم”، لافتا إلى أن مشكل العداء مع إيران ليس فقط بسبب برنامجها النووي أو حقوق الإنسان، بل في سياستها “التي لن تغيرها أبدا، وستواصل مواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالميين”.
رؤية إصلاحية
في المقابل، يرى محمد علي أبطحي -وهو ناشط سياسي إصلاحي ورئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي- أن ترميم العلاقات وحلحلة الخلافات والقضايا الشائكة ممكن بعد القطيعة التي قد تطرأ على العلاقات بين الدول.
لكنه، وفي حديثه للجزيرة نت، استدرك بالقول إن الوقت غير مناسب على الإطلاق للحديث عن مصالحة بين طهران وواشنطن على وقع التوتر المتصاعد في المنطقة.
وأوضح أن الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي كان قد طرح مبادرة لحوار الحضارات، ونجح في تعزيز علاقات طهران مع الدول الغربية، بيد أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن اعتبر إيران “محور الشر”، ورد على المبادرة الإيرانية بالعمل على تأجيج التوتر بين الجانبين.
وأرجع أبطحي السبب الرئيس لاستمرار العداء بين بلاده والولايات المتحدة إلى سياسات الكيان الإسرائيلي الذي يخشى أي تقارب بين طهران وواشنطن، مضيفا أن خطاب الرئيس بزشكيان في الأمم المتحدة كان صائبا ويحث على تعزيز علاقات طهران مع دول العالم. بيد أن تل أبيب استبقته بشن هجوم على حزب الله اللبناني.
وكان الرئيس بزشكيان طرح مبادرة “السلام للجميع” خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدا أن طهران مستعدة لإنهاء الأزمة النووية مع الغرب، كما دعا إلى إنهاء حرب أوكرانيا عبر الحوار، وطالب بمعاقبة الكيان الإسرائيلي على ما ارتكبه من جرائم في لبنان وغزة.
وبالرغم من أن شريحة من خصوم بزشكيان وجدت في تصريحاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مبررا لمهاجمته، فإن مواقفه أمام الجمعية العامة تمكنت من الحصول على أكبر دعم ممكن من الأوساط السياسية في طهران لا سيما وأن وزير خارجيته عباس عراقجي رفض لقاء نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في نيويورك.
وردا على سؤال عن إمكانية لقاء الوزير بلينكن، قال عراقجي “لا أعتقد أنه من المناسب إجراء مثل هذا الحوار واللقاء”.