وجه الجنرال المتقاعد إسحق بريك انتقادات حادة لقيادات الجيش الإسرائيلي التي قال إنها لم تجهز الجيش بالتسليح والخطط والتكنولوجيا المتناسبة مع الحروب المستقبلية التي أصبحت تعتمد على الطائرات المسيرة والصواريخ خلافا للحروب التقليدية.
ورأى الجنرال الذي يلقب بـ”نبي الغضب الإسرائيلي” بسبب توقعه بهجوم يشنه آلاف المسلحين الفلسطينيين على مستوطنات غلاف قطاع غزة كما حصل في طوفان الأقصى، أن “رؤساء الأركان لم يحدّثوا المفهوم الأمني لإسرائيل ليناسب الحرب الحالية والمستقبلية، فيما لم تجر مناقشات حول رؤية أمنية إستراتيجية للسنوات المقبلة، وتجاهلوا تماما التهديد الوجودي الذي تطور أمام أعينهم على مدى السنوات العشرين الماضية، ولم يهتموا بإعداد الجبهة الداخلية للحرب، وأهملوا تماما إعداد الجيش والجبهة الداخلية للتعامل مع القذائف والصواريخ والطائرات بدون طيار”.
التعامل مع المسيرات والصواريخ
وقال بريك إن قيادة جيش الاحتلال “لم تستجب بدافع الغطرسة للتغييرات الجذرية في تسليح جيوش العدو، التي كانت تستعد لحروب تغيرت بشكل جذري، فيما امتنع الجنرالات عن تغيير تصوراتهم وتجهيز أنفسهم بوسائل الحروب المستقبلية”.
وأضاف “لمدة 20 عاما تقريبا، عاش رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي (باستثناء غابي أشكنازي) على تصور أدى إلى تفكك الجيش الإسرائيلي، حينما قرروا أن الحروب الكبرى قد انتهت، وأن لدينا سلاما مع مصر والأردن، وبالتالي يمكننا الاكتفاء بجيش صغير وتكنولوجي وذكي يتمتع بقدرات هجومية”.
وأشار إلى أنه “خلال تلك السنوات، تم تقليص آلاف الدبابات من الجيش، وحوالي نصف كتائب المدفعية، والعديد من وحدات المشاة، والكتائب الهندسية، وتقليص 6 فرق من القوات البرية، والتي نفتقر إليها اليوم”.
وأشار إلى أنه “ومنذ عام 2002، خفضت القوات البرية بنسبة 66%، أي إلى ثلث حجمها”.
وقال بريك إن هذه التقليصات في جيش الاحتلال التي بنيت على أساس “ردع الأعداء” تزامنت مع تمكن الجبهة المضادة لإسرائيل بقيادة إيران من تطوير أسلحة متنوعة على رأسها الطائرات بدون طيار والصواريخ بعيدة المدى.
ورأى أن الجيش “لم يقم ببناء مفهوم دفاعي وهجومي ضد آلاف الصواريخ والطائرات بدون طيار التي سيتم إطلاقها يوميا على المراكز السكانية والبنية التحتية الوطنية، مثل محطات الكهرباء واحتياطيات المياه والغاز والوقود، والبنية التحتية للنقل والصناعة ومعسكرات جيش الدفاع الإسرائيلي وأهداف إستراتيجية أخرى، وهذه الإخفاقات من شأنها تدمير بلدنا”.
التركيز على القوة الجوية
ووجه الجنرال المتقاعد اللوم إلى قيادة الجيش الإسرائيلي التي قال إنها، بسبب عدم فهم الواقع الجديد، لم تشتر أسلحة جديدة مناسبة للحرب متعددة الجبهات ولم تنشئ قوة صاروخية أرض-أرض هدفها الرئيسي تدمير قاذفات الصواريخ. وقال إن هذه المنظومة هي أكثر كفاءة بمئات المرات من الطائرات التي لا تستطيع التعامل مع عمليات الإطلاق هذه.
ورأى أنه كان من المفترض أن يتم التعاون مع الولايات المتحدة لإنشاء ليزر قوي يمكن أن يتصدى للصواريخ الباليستية، وهو نظام حسب رأيه، أرخص بمئات المرات من الصواريخ التي بحوزة إسرائيل مثل السهم، ومقلاع داود، والقبة الحديدية، وجميعها ذات تكلفة مرتفعة للغاية لدرجة أن مخزوناتها محدودة وستنفد خلال أيام في أي حرب متعددة الجبهات تواجهها إسرائيل.
كما أشار إلى “الإخفاق في الحصول على أي منصات إطلاق مضادة للطائرات متعددة الفوهات موجهة بالرادار وقادرة على إطلاق 6 آلاف طلقة في الدقيقة، وذات فاعلية في التصدي للطائرات بدون طيار، والإخفاق في الحصول على عشرات الآلاف من الطائرات بدون طيار للاستخبارات والهجوم”.
ومضى الجنرال الإسرائيلي في تفكيك أسباب الأزمة التي يواجهها جيش الاحتلال، في ظل تركيزه على شراء الطائرات المقاتلة المكلفة، مشيرا إلى أنه “في الآونة الأخيرة، استثمر الجيش الإسرائيلي 32 مليار دولار من المساعدات الأميركية للسنوات العشرين المقبلة للحصول على العديد من أسراب طائرات إف-35 التي ستصل في غضون 5 سنوات إلى عقد من الزمان، وستنخفض أهميتها بشكل كبير. وذلك بدلا من الأسلحة التي ذكرتها سابقا، والتي تفوق أهميتها وفعاليتها في الحرب الإقليمية متعددة الجبهات القادمة -والتي ستصل إلينا عاجلا أم آجلا- عشرات المرات، هذه الطائرات”.
لوبي القوات الجوية
وزعم بريك أن الفشل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان بسبب نقص الأسلحة المطلوبة لمواجهة الهجوم، ملقيا باللوم على ما أسماه “اللوبي القوي للقوات الجوية”، الذي سيطر على قرارات المستويات العسكرية والسياسية.
وقال إنه ونتيجة لذلك، “لا تريد إسرائيل التخلي عن تصور أن سلاح الجو هو “مَلك المعركة”، على الرغم من أن العالم قد فهم منذ فترة طويلة أنه لا يمكن كسب الحروب بالطائرات وحدها (في الحرب الأوكرانية الروسية، نادرا ما ترى الطائرات)، ومع مرور الوقت، تنخفض مساهمة الطائرات في كسب الحروب بمعدل متسارع حتى اختفائها تماما في العقود التالية”.
وأضاف “أن مجموعة من المظليين استولت على الجيش، ولسنوات عديدة تم تعيين رؤساء الأركان وفقا لطريقة صديق يجلب صديقا دون أي معايير.. نفس رؤساء الأركان يعينون أيضا جنرالات دون أي معايير، لذلك ستجد أنه وفي جميع المناصب العليا التي يتم منها الترقية إلى رئيس الأركان هم أولئك الذين لديهم قبعات حمراء (سلاح المظليين)”.
ومضى قائلا “رؤساء الأركان، ومعظمهم من المظليين، يسيرون جنبا إلى جنب مع لوبي سلاح الجو، ويسمحون بشراء طائرات “مجنونة” على حساب كل شيء آخر للجيش الإسرائيلي. إنه لأمر مجنون لدرجة أنه حتى اليوم خلال الحرب، يتم تجاهل حاجة الجيش البري لـ4 فرق أخرى على الأقل، مع إنشاء قوة صاروخية”.
خصخصة الإمدادات اللوجستية
ولفت الجنرال، الذي خدم قائدا في سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي، إلى التأثير السلبي لخصخصة أنظمة الخدمات اللوجستية والصيانة لآليات الجيش البري لصالح الشركات المدنية، الذي قال إنه “ختم مصير الجيش والدولة إلى الأسوأ في الحرب الإقليمية متعددة الجبهات القادمة”.
وقال إن هذا التخصيص سيضعف الجيش، لأن المدنيين لن يكونوا قادرين على توفير الإمداد اللازم بالوقود والماء والغذاء والذخيرة والمعدات وقطع الغيار، أو توفير الصيانة للدبابات وناقلات الجنود المدرعة وغيرها من الأسلحة خلف الخطوط عندما تنتقل الحرب إلى أراضي العدو.
كما أشار إلى سيادة الثقافة التنظيمية الخاطئة للجيش الإسرائيلي مثل: عدم الانضباط، والفشل في التحقق من الأوامر، والفشل في مراقبة القرارات، والفشل في تعلم الدروس.
كما تحدث عن شيوع جملة من الأمراض والسلبيات لدى قيادة الجيش، من قبيل “افتقار تحقيقات الجيش الإسرائيلي للمصداقية، وسيادة ثقافة الأكاذيب، وغياب معايير الأداء في العديد من الوحدات، وعدم السيطرة على إدارة الجيش، وما يسببه ذلك من إهدار الملايين من الشواكل”.
مسؤولية نتنياهو وغالانت وهاليفي
وقد وجه بريك -الذي عرف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بانتقاداته الحادة للجيش ولحكومة نتنياهو- اللوم إلى رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي الذي قال إنه “لا يزال يتجاهل دروس الحرب، ويستمر في إدارتها رغم أننا دفعنا فيها آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات المختطفين وأكثر من 100 ألف نازح، فيما دمرت المستوطنات واحترق 200 ألف دونم من الحقول الزراعية والغابات في الشمال والجنوب”.
ثم انتقل للهجوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب تمسكه بمحور فيلادلفيا الذي لا يمثل أي أهمية للأمن القومي الإسرائيلي، ولكنه قد يؤدي إلى إنهاء عملية السلام مع مصر.
وفيما حذر من أن “الجيش المصري، هو الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط، وقد يحارب في الحرب الإقليمية متعددة الجبهات ضد إسرائيل” فقد اعتبر أن “نتنياهو يلعب الروليت الروسي ويراهن على وجود دولة إسرائيل كرجل فقد حكمه منذ فترة طويلة ولا يتصرف إلا لدوافع شخصية”.
وختم بالقول “طالما استمر هرتسي هاليفي ويوآف غالانت (وزير الحرب الإسرائيلي) ونتنياهو (…) في أدوارهم، فلا أمل للشعب الإسرائيلي. فقط استبدالهم الفوري يمكن أن ينقذ البلاد من مأزقها، الذي يزداد قوة يوما بعد يوم”.