أظهرت العديد من الأبحاث أن جانبا من مياه الأرض نشأ من خلال بخار انبعث من البراكين ثم تكثف وسقط على ما نعرفه الآن باسم المحيطات.
لكن مع إجراء الحسابات، تبين أن ذلك لا يمثل إلا جزءًا صغيرا من المحتوى المتوقع للأرض من المياه، وهنا ظهرت فرضية تؤكدها دراسة حديثة، تقول إن الجزء الأكبر من مياهنا وما تحويه من معادن جاء من الأجرام التي اصطدمت بالأرض قديما من كويكبات ومذنبات.
وقد وجد الباحثون، بحسب دراسة نشرت مؤخرا في دورية “ساينس أدفانسز” أن الماء على المذنب “67 بّي/تشوريوموف جيراسيمنكو” يمتلك بصمة جزيئية مماثلة للمياه في الأرض، هذه البصمة هي نسبة الديوتيريوم (وهو أحد نظائر الهيدروجين) إلى الهيدروجين العادي في المياه، وتعطي العلماء أدلة حول مكان تشكلها.
ونعرف أن الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين. وباستخدام أدوات خاصة يتمكن العلماء من اكتشاف نوعين من الماء: الماء العادي والماء الثقيل، أما الثقيل فهو يحتوي على الديوتيريوم.
ولأن محتوى الماء من الديوتيريوم من المرجح أن يتشكل في البيئات الباردة، فإن تركيز هذا النظير الكيميائي يكون أعلى في الأجرام التي تشكلت بعيدًا عن الشمس، مثل المذنبات، مقارنة بالأجسام التي تشكلت أقرب إلى الشمس، مثل الكويكبات، فإن العلماء قد رجحوا أن مصدر مياه الأرض كان بالأساس من المذنبات مثل 67 بّي/تشوريوموف جيراسيمنكو.
أصل مشترك
وتؤكد هذه النتائج على عدة دراسات سابقة، ففي دراسة صدرت في 2019 ونشرت في دورية “أسترونومي آند أستروفيزيكس ليترز”، ظهر أن الماء في المذنبات قد يشترك في أصله مع محيطات الأرض.
ففي هذه الدراسة لاحظ مرصد “صوفيا” التابع لوكالة ناسا وجود خزان ماء هائل على مذنب “ويرتانين” أثناء دُنوِّه الأقرب إلى الأرض في ديسمبر/كانون الأول 2018، ويشبه في تركيبه ماء المحيطات الأرضية.
وقد قارن العلماء بين كمية الماء الثقيل والماء العادي في المذنب، وكانت لهما النسبة نفسها في مياه محيطات الأرض، مما يشير إلى أصل مشترك.
وهذه ليست المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء مصدرا سماويا به النوع نفسه من الماء الذي على الأرض، فقد أظهرت قياسات مرصد “هيرشل” الفضائي قبل عقد من الزمان أن المذنب “هارتلي” يحتوي على ماء له البصمة الكيميائية نفسها التي لمياه محيطات الأرض.
وتعزز هذه النتائج من فرضية أن المذنّبات لعبت دورا رئيسيا في جلب الماء إلى كوكبنا قبل مليارات السنين.
تاريخ عنيف
وقد تتساءل عن كيفية حدوث ذلك، لأنك حاليا تعيش على الأرض، وهي تمر بفترة هدوء ولا تتعرض لضربات من المذنبات مثل مذنبنا الحالي “زد تي إف” إلا فيما ندر، لكن خلال ما يعرف بفترة القصف الشديد المتأخر، وهي فترة زمنية امتدت مما قبل 4.1 إلى 3.8 مليارات عام، تعرضت الأرض والقمر وبقية الكواكب الصخرية إلى هطول شديد من المذنبات والكويكبات.
ولكي ترى أثر ذلك يمكن فقط أن تنظر إلى القمر في تلسكوب صغير، وستجد سطحه ممتلئا بالفوّهات الصدمية.
ويمكن أن يكون الماء قد قدم إلى الأرض عبر هذا الطريق الوعر، فحينما يصل المذنب إلى الأرض فإنه يصطدم بها مخلفا سحابة هائلة ومبخرا محتواه من الماء، لكن هذا الماء لا يلبث أن يتكثف ثم يتساقط إلى الأرض في صورة موجات مطر قد تستمر لآلاف أو ملايين السنين.