يُشكّل النوم حوالي ثلث حياتنا وهو ضروري للحفاظ على الصحة وتجديد الطاقة، وعندما نعاني من نقص النوم ندرك أنه حاجة حيوية وليس مجرد رغبة تنتابنا من حين لآخر. لكن هل نحن بحاجة إلى قسط من النوم نهارا بقدر حاجتنا إلى النوم ليلا؟
في تقرير نشرته مجلة “سايكولوجي توداي”، قالت الكاتبة فانيسا لوبيو، أستاذة علم النفس بجامعة روتجرز في نيوجرسي والمتخصصة في نمو الرضع والأطفال، إن النوم ليس ضروريا لكل الكائنات، إذ قد لا يتأثر بعضها بعدم النوم، في حين يؤدي الحرمان التام منه إلى الوفاة لدى البعض الآخر، وفقا لما أظهرته الدراسات على الفئران والذباب.
وأضافت أن البشر إذا لم يحصلوا على كفايتهم من النوم قد تتأثر قدرتهم على أداء المهام اليومية ويصبحون عرضةً لمشكلات مزاجية وصحية، ذلك بأن النوم يقوم بدور مهم في إعادة تنشيط الدماغ وترسيخ الذكريات اليومية.
أهمية النوم للأطفال
بيّنت الكاتبة أن النوم يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للأطفال، حيث ينمو الدماغ بشكلٍ سريع في سنواتهم الأولى، وينام الأطفال الحديثو الولادة لفترات طويلة تصل إلى 20 ساعة يوميا، ومع تقدمهم في العمر يزداد وقت اليقظة تدريجيا، ولكنهم يستمرون في أخذ قيلولات منتظمة من سن الثانية إلى الرابعة.
وقد أظهرت دراسة كلاسيكية على حديثي الولادة أن نوم حركة العين السريعة، وهو المرحلة التي يكون فيها الدماغ في نشاطه الأقصى، يلعب دورا مهما في تطور النظام البصري غير الناضج لدى الرضع.
وفي توضيح لتلك الدراسة، أوضحت الكاتبة أن الرضع الذين تعرضوا لتحفيز بصري منخفض، من خلال مشاهدة مربّع رمادي بسيط، كانوا أكثر حاجةً إلى نوم حركة العين السريعة مقارنةً بالرضع الذين شاهدوا مربعا يحتوي على خطوط سوداء وبيضاء، مما يدل على دور القيلولة في تعويض نقص التحفيز البصري أثناء اليقظة.
وأشارت الكاتبة إلى أن النوم يلعب دورا أساسيا في ترسيخ الذكريات، إذ أظهرت الدراسات أن الرضع الذين يأخذون قيلولة بعد التعلم يكونون أكثر قدرةً على تذكر ما تعلموه.
وأوضحت أن ذلك يستمر حتى سن ما قبل المدرسة، حيث يُظهر الأطفال في هذا العمر قدرة أفضل على استعادة الذكريات إذا حصلوا على نوم كافٍ، مشيرةً إلى أن تأخير النوم قد يؤدي إلى صعوبة استرجاع الذكريات.
القيلولة وتطور منطقة الحُصين
وذكرت الكاتبة أن القيلولة تُعد أساسية في تطور منطقة الحُصين، وهي جزء من الدماغ مرتبط بالتعلم وتخزين الذكريات، حيث لا يكون الحُصين مكتمل النمو عند الولادة، ولا يصل إلى فعاليته الكاملة حتى يبلغ الطفل عمر 18 إلى 24 شهرا، مما يجعل تذكر الأحداث قبل هذه المرحلة أمرا صعبا.
وأوضحت أن القيلولة تساعد الحُصين في ترسيخ الذكريات خلال مرحلة نمو هذا الجزء من الدماغ، وعندما يكتمل نموه تقل حاجة الأطفال للقيلولة، مشيرةً إلى أن بعض الأطفال الذين حافظوا على عادة القيلولة بانتظام قد ينسون المعلومات بشكل أسرع من أولئك الذين لا ينامون نهارا، مما يدل على أن الحُصين تطور بشكل أكبر لدى الفئة الثانية.
أهمية القيلولة للمراهقين والبالغين
بيّنت الكاتبة أن القيلولة ليست مفيدة للأطفال فقط؛ فرغم أن المراهقين يحتاجون إلى ساعات نوم أقل، فإن القيلولة قد تكون مفيدة لهم أيضا، خاصةً أن كثيرا منهم يعانون من قلة النوم. كما أن القيلولة تساعد كبار السن على تقليل الإحساس بالنعاس وتحسين الأداء الذهني.
وأوضحت الكاتبة أن القيلولة لا تؤثر بالضرورة على جودة النوم ليلاً لدى كبار السن، لكنها تساعد البالغين في تحسين المزاج وتعزيز اليقظة وأداء المهام الذهنية.
لكن تأثير القيلولة يتوقف -حسب الكاتبة- على عدة عوامل، مثل توقيتها ومدتها، إذ تكون القيلولات القصيرة أكثر فعالية من الطويلة، مما يعني أن النوم نهارا يكون أكثر فائدة للشخص البالغ إذا كان في وقت مناسب ولم تتجاوز مدته الساعة.