تساؤلات مشروعة تُطرح عن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات وكالة “الأونروا” في سوريا في ظل انهيار النظام والعملية السياسية التي تجري على قدم وساق لمرحلة بناء سوريا الجديدة وفق دستور ومحددات يعكف على كتابة تفاصيله خبراء ومتخصصون.
في العام 1949، وحسب إحصاء وكالة “الأونروا”، وصل عدد اللاجئين المسجلين في سجلات الوكالة في سوريا إلى 80 ألف لاجئ فلسطيني، وحتى تاريخ ديسمبر/ كانون الأول 2021 أصبح العدد 655.729 لاجئًا يعيشون في 9 مخيمات رسمية: (درعا، حمص، حماة، النيرب، قبر الست، جرمانا، خان الشيح، خان دنون) بالإضافة إلى ثلاثة مخيمات غير رسمية: (اليرموك، عين التل، وجرمانا)، موزعة على محافظات دمشق، وريف دمشق، ودرعا، وحمص، وحماة، وحلب، واللاذقية.
منذ العام 2011، ونتيجة للأوضاع الأمنية والاقتصادية، غادر سوريا حوالي 150 ألف لاجئ فلسطيني، موزعين إلى حوالي 23 ألف لاجئ في لبنان، و13 ألفًا في الأردن، و6 آلاف في مصر، و12 ألفًا في تركيا، وآلاف أخرى منتشرة في دول أوروبية وغربية عمومًا.
بالإضافة إلى آلاف أخرى من اللاجئين اضطروا للنزوح الداخلي؛ نتيجة دمار مخيماتهم ومنازلهم وعدم السماح لهم من قبل النظام بالعودة إليها، لا سيما مخيم اليرموك الذي تأسس في العام 1957 فوق مساحة من الأرض تبلغ 2.1 كيلومتر مربع، ويُعتبر أكبر المخيمات الفلسطينية في مناطق عمليات “الأونروا” الخمسة: (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا)، والذي كان يسكن فيه قبل العام 2011 حوالي 160 ألف لاجئ فلسطيني، مسجلين في سجلات “الأونروا”، وكان جزءًا من امتداد جغرافي وديمغرافي متصل وصل عدد السكان فيه إلى ما يقارب من 1.200.000 شخص حسب وكالة “الأونروا”.
على الرغم من نقص الخدمات والبنية التحتية المدمرة إلى حد كبير، بين شهر ديسمبر/ كانون الأول 2020 ويونيو/ حزيران 2022 سُمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مخيم اليرموك، وذلك رهنًا بموافقة الحكومة السورية. وتشير التقديرات إلى أن ما يقارب من 1.200 عائلة (فلسطينية وسورية) قد عادت إلى المخيم (حوالي 4.000 شخص)، ومن بين هؤلاء هناك حوالي 800 عائلة فلسطينية.
الوضع القانوني
اكتسب اللاجئ الفلسطيني في سوريا وضعًا قانونيًا يسمح له بالعمل والتملك والاستشفاء والتعليم دون الحصول على الجنسية، فقد ورد في القانون رقم 260 بتاريخ 10/07/1956: “يُعتبر الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية العربية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلًا في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة، وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة، وخدمة العلم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية”.
وتم إنشاء مؤسسة خاصة لمتابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين هي: “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب” التي تأسست في 25/1/1949 بعد نكبة فلسطين، وتتبع “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”، وتعتبر صلة الوصل الإستراتيجية بين وكالة “الأونروا” والحكومة. ومهمتها الأساسية: “تنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين العرب ومعونتهم وتأمين مختلف حاجاتهم، وإيجاد الأعمال المناسبة لهم، واقتراح التدابير لتقرير أوضاعهم في الحاضر والمستقبل”.
مخيمات تحتاج إلى تأهيل وإعادة إعمار
تحديات كبيرة مُلقاة على عاتق وكالة “الأونروا”، والحكومة الجديدة، والدول المانحة في إعادة إعمار ما تهدم من مخيمات، إذ تُعتبر مخيمات اليرموك وخان الشيح ودرعا وحندرات من أكثر المخيمات تضررًا، وتعرّضت لاستهداف مباشر. علاوة على ضرورة بناء المدارس والعيادات وبقية المرافق التابعة للوكالة، واستئناف العمل من جديد بكافة أركانه، وتسهيل عودة اللاجئين إلى مخيماتهم.
المفقودون من اللاجئين الفلسطينيين
تشير “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” الحقوقية، ومقرها لندن، إلى أنه منذ العام 2011 قُتل في سوريا 4.294 فلسطينيًا، واعتقل النظام 3.085 فلسطينيًا، منهم 127 امرأة و45 طفلًا. وتشير التقديرات إلى وجود 333 فلسطينيًا مفقودًا.
استطاعت المعارضة بعد الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024 تحرير 46 معتقلًا فلسطينيًا، 38 منهم من فلسطينيي سوريا، و8 من فلسطينيي الضفة الغربية. ولا يزال البحث جاريًا عن آخرين.
وتشير التقديرات إلى أن بعض الفلسطينيين قد فُقدوا في سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي دون أي دليل حتى الآن على ما إذا كانوا قد توفوا أو ما زالوا على قيد الحياة، كما هو حال الفلسطيني فاروق صبحي خورشيد. وتشير عائلته إلى وصوله إلى مطار دمشق في العام 1984، وكان عمره 51 سنة، إذ اعتقله النظام ولم يعد له أثر بعد ذلك، على الرغم من المحاولات الحثيثة للبحث عنه.
جيش التحرير الفلسطيني والفصائل
تأسس جيش التحرير الفلسطيني في العام 1965، وتُعتبر الخدمة في الجيش إلزامية لكل لاجئ فلسطيني تجاوز التاسعة عشرة من العمر، ولمدة بدأت بسنتين ونصفٍ، ثم تراجعت إلى سنتين، ثم إلى سنة ونصفٍ. وما ينطبق على الجيش السوري ينطبق على أفراد جيش التحرير الفلسطيني من حيث الخدمة والالتزامات.
علاوة على خدمتهم في “الجيش”، فقد انخرطت جموع كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في صفوف الفصائل الفلسطينية المحسوبة على النظام، واتخذت من سوريا مقرًا لها، وشاركت في مرحلة من المراحل في الأعمال العسكرية التي كان يقودها النظام في سوريا.
بيدَ أن هذه الفصائل تلقت رسالة طمأنات من إدارة العمليات العسكرية للمعارضة السورية بأنها لن تتعرض لها بعد سقوط النظام، وحصلت على طمأنات بتحييد الشعب الفلسطيني ومعه القوى الفلسطينية، وعدم المساس بقيادتها ومكاتبها.
بالتالي، لم يتم التعرّض لأي من المسؤولين الفلسطينيين بعد أن بادرت الفصائل الفلسطينية إلى القيام بسلسلة من الخطوات تؤكد التزامها بالحياد، مثل إزالة المظاهر المسلحة والشعارات والصور وإغلاق المعسكرات.
الوضع الإنساني
في مؤشر لافت للوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، جاء في البيان الذي عممته وكالة “الأونروا” في 23/12/2024، تحت عنوان “توضيح من الأونروا في سوريا للاجئي فلسطين”، أن: “هشاشة أوضاع لاجئي فلسطين في مختلف أنحاء سوريا تزداد، وقد تبين ذلك من خلال المسوحات العديدة التي أجرتها فرق الأونروا، ويبدو جليًا أن لاجئي فلسطين يجدون صعوبة في التعامل مع التضخم المتزايد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي يلجؤون إلى تناول كميات أقل من الطعام حيث لا يستطيعون شراء الدجاج أو اللحوم وما إلى ذلك.
وللتغلب على التحديات يضطرهم الأمر للجوء إلى إستراتيجيات سلبية للتكيف أيضًا، مثل قيام الأطفال بأعمال شاقة، وترك الأطفال للمدارس، وزواج الفتيات القاصرات، وغيره”.
وحسب نداء “الأونروا” العالمي بتاريخ يناير/ كانون الثاني 2023، يوجد في سوريا 102 مدرسة تديرها الوكالة يعمل فيها 1.876 موظفًا، وتستقبل سنويًا 49.500 طالب وطالبة. كما يوجد 23 مركزًا للرعاية الصحية الأولية تستقبل 810 آلاف زيارة مرضية سنويًا، وتقدم 1.012 رعاية سنوية للحوامل قبل الولادة، ويعمل في تلك المراكز 680 موظفًا.
تقدم الوكالة خدمات الحماية الاجتماعية لما مجموعه 142.500 شخص من الأشد عرضة للمخاطر، كما تقدم قروض تمويل صغيرة لما مجموعه 6.824 قرضًا سنويًا. وبالتالي، تُعتبر الوكالة أحد الشرايين المهمة لحياة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه وحتى تاريخ ديسمبر/ كانون الأول 2024، تم تمويل نداء “الأونروا” الطارئ الخاص بسوريا بنسبة 16.72% فقط.
وعلى الرغم من كافة الجهود التي تبذلها الوكالة لحشد الأموال من المانحين، لم يكن من الممكن حشد المزيد. ومع ذلك، تشير “الأونروا” إلى أنها تمكنت من تقديم بعض المساعدات الإنسانية الأساسية للاجئين، حيث قامت بتوزيع دورتين من المساعدات النقدية الطارئة تغطيان فترة ستة أشهر، كما قدمت مساعدات غذائية للاجئين الأكثر ضعفًا. ومع ذلك، لم يكن من الممكن تنفيذ أي من أنشطة الاستجابة الإنسانية الأخرى المخطط لها، بما في ذلك دعم العائلات خلال فصل الشتاء.
العودة إلى المخيمات
مع تاريخ الثامن من الشهر الجاري وبعد الساعات الأولى للإعلان عن انهيار النظام في سوريا، بدأ بعض اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى مخيماتهم، وبشكل خاص من لبنان، والأردن، ومدينة إدلب في حلب. وقد ذكرت “الأونروا” أنهم بحاجة ماسة إلى المساعدة، بما في ذلك المساعدات النقدية والغذائية والمواد غير الغذائية وغيرها من الاحتياجات.
بدأت الوكالة بإعلام الدول المانحة سعيًا منها للحصول على التمويل المناسب. هذا، وقد قالت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” ومقرها لندن، في بيان صادر عنها بتاريخ 18/12/2024، إن عددًا من عائلات اللاجئين الفلسطينيين واجهت صعوبات أثناء عودتها من تركيا إلى سوريا.
وأوضحت أن السلطات التركية منعتهم من دخول الأراضي السورية عبر المعابر الحدودية، على الرغم من تقديمهم وثائق تثبت أنهم وُلدوا وعاشوا في سوريا كلاجئين فلسطينيين منذ عقود، وذلك بسبب ورود كلمة “فلسطيني” في بطاقات الحماية المؤقتة التي يحملونها. وقد أدى ذلك إلى حصر حق العودة إلى سوريا على المواطنين السوريين فقط، مما دفعهم إلى مناشدة السفارة الفلسطينية في تركيا لحل مشكلتهم.
الحفاظ على الهوية والتمسك بالحقوق
يتطلع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا للحفاظ على هويتهم الفلسطينية وتمسكهم بحقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم في فلسطين، وفقًا للقرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة. كما يسعون للحفاظ على النسيج الاجتماعي والموروث الشعبي والعيش بكرامة من خلال توفير كامل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية بالتنسيق مع وكالة “الأونروا”.
ويطمح اللاجئون إلى أن يكونوا جزءًا من السِلم الأهلي والاستقرار والأمن المجتمعي مع الاندماج الكامل في مجتمع الدولة المضيفة، دون الذوبان الذي يمكن أن يؤثر على البُعد السياسي المرتبط بقضيتهم كلاجئين وحقهم في العودة. ويأملون أن يُدرج هذا البُعد في مضامين الدستور الجديد للبلاد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.