اتخذت محكمة التركات في دبي مساراً غير تقليدي في التعامل مع التركات المدينة، بما يحفظ حقوق الدائنين ومصالح الورثة معاً، وهي تجربة «تستحق أن تروى»، بحسب رئيس المحكمة، القاضي محمد جاسم الشامسي، الذي أكد أن هذه المنهجية الجديدة تحظى بدعم من القيادة، وتخضع للتجربة حالياً مع تركتين كبيرتين مدينتين.
وقال الشامسي، خلال جلسة إعلامية عن «دور محكمة التركات وأثرها الاجتماعي»، إن المحكمة تعيّن خبيراً، وفق الإجراء الجديد، ليضع خطة كاملة لإدارة التركات المدينة التي لا مسوّغ لبيعها أو تصفيتها، يتم بموجبها جدولة الديون المتراكمة عليها، ثم تعرض الخطة على الدائنين، لافتاً إلى أن هناك من يرحب بذلك طالما أنه سيحصل على حقوقه كاملة خلال فترة زمنية مناسبة.
وتفصيلاً، أفاد القاضي محمد جاسم الشامسي بأن هناك ثلاثة أنواع للتركات، الأولى «عادية» تحصر أصولها وتقسم بين الورثة، والثانية «مفلسة» ولها مسار واضح تنتهجه المحكمة، أما الثالثة فهي «المدينة» أو شبه المفلسة، ومن المفترض – حسب المسار التقليدي – سداد الديون المتراكمة، ثم توزيع ما يتبقى على الورثة.
وأشار إلى أن «هناك تركات كبيرة جداً، تضم أصولاً متنوعة، لكنّ عليها ديوناً كبيرة، وتستلزم إجراءات غير تقليدية للتعامل معها، حتى لا يعود الأمر بالخسارة على الورثة والدائنين».
وأوضح أن «الإجراء الجديد، الذي تنتهجه محكمة التركات حالياً، هو تعيين خبير يحسب الدخل السنوي للتركة، ويقارنه بالدَّين، ثم يضع خطة للسداد تعرض على الدائنين، وقد يصبر هؤلاء لثلاث أو أربع سنوات إذا رأوا أنهم سيستردون حقوقهم كاملة، لكن ربما يكون التنفيذ صعباً إذا طالت المدة».
وأشار إلى أن «القاضي يحدد مسار التعامل مع التركة المدينة أو شبه المفلسة بحسب الملف، ويجري العمل حالياً وفق المنهجية الجديدة مع تركتين كبيرتين، إذ وافق الدائنون على السداد وفق هذا المسار، من خلال خطة إدارة وتشغيل لأصول التركة».
وتابع أن «محكمة التركات خاطبت محكمة التنفيذ لوقف بيع الأصول، وبحث الخطة التشغيلية مع الطرفين، فإذا صدر الحكم باعتماد خطة سداد الديون لن تكون هناك مشكلة، وستُعدّ تجربة مهمة، وقصة تستحق أن تروى، روعي فيها البعد الاجتماعي والاقتصادي، ويحصل بموجبها جميع الأطراف على حقوقهم، مع الحفاظ على الأصول».
وأوضح الشامسي أن محكمة التركات اتخذت هذا المسار مع التركات الكبيرة التي لا مسوغ لبيعها أو تصفيتها، لسداد ما تراكم على المورّث من قروض شخصية أو عقارية أو ديون أخرى»، لافتاً إلى أن «القاضي لديه أدوات عدة بإمكانه استخدامها بمرونة، حسب مصلحة الورثة والأطراف ذوي الصلة، فبإمكانه أن يؤخر أو يقدم أو يقسّط»، مؤكداً أن «هناك دعماً من القيادة للتجربة الجديدة التي تعزز الأثر الاجتماعي لدور محكمة التركات».
وتابع أن المحكمة تعمل وفق منظومة متكاملة كجهة قضائية مختصة بإعطاء الناس حقوقهم، مع مراعاة البعد الاجتماعي المتعلق بالتركات، فالمورّث يترك وراءه حياة كاملة ملأى بالتفاصيل تستلزم مراعاة أحوال المستحقين، والحرص على عدم إطالة أمد التسوية حتى تهدأ النفوس، وتظل علاقة الورثة قوية ومتماسكة.
وأشار الشامسي إلى أن محكمة التركات تحرص على تعزيز شراكات مع الجهات ذات الصلة بالجانب الاجتماعي، مثل هيئة تنمية المجتمع، لأهمية هذا الدور، مؤكداً أنه يعتز كثيراً بالأسر التي تعلو قيمة التسامح بين أفرادها فوق الاعتبارات المادية.
ولفت إلى أن هناك رجالاً يتصرفون بقدر كبير من النبل، فيحرصون على استرضاء أمهاتهم أو شقيقاتهم، وضمان حصولهن على حقوقهنّ كاملة قبل أنفسهم، مؤكداً أن أولى الناس بالإرث في حال التنازل عنه هم أهل البيت، خصوصاً الأم والأخت.
وأكد أنه يوصي دائماً الشخص بأخته «لأنه في حكم المعيل بعد وفاة الوالد، لذا فهي أولى بالإرث في حال قرر التنازل عن حقه أو جزء منه»، مشيراً إلى أن «محكمة التركات لا تنكر على أي شخص حقه، وسيحصل عليه كاملاً، لكن إذا كان لديه هامش يستطيع التنازل عنه فنحن نوصي بالأقربين»، لافتاً إلى أنه يشعر دائماً بالسعادة ويحرص على إبراز النماذج المضيئة لأشخاص يؤثرون أهل بيتهم على أنفسهم.
يذكر أن محكمة التركات في محاكم دبي حققت نتائج لافتة، خلال السنة الأولى من إنشائها في عام 2023، شملت تسوية منازعات تركات ودياً بقيمة 2.3 مليار درهم، إضافة إلى 626 عقاراً سُويت كذلك ودياً، فيما بلغ معدل مدة التسوية الودية في ملفات التركات 626 عقاراً، وتجاوزت قيمة المطالبات أمام المحكمة 32.8 مليار درهم، وأصدرت 1287 إشهاداً لحصر تركات، وأنجزت 68% من الملفات خلال 11 شهراً، وبلغت نسبة تأييد الأحكام الابتدائية الصادرة عنها 71%.
وتمكنت محكمة التركات من تسوية نزاعات قديمة حول تركات امتد بعضها لأكثر من 10 سنوات، من بينها نزاع معقّد بين ورثة منذ عام 2014، وتم التوصل أخيراً إلى قسمة رضائية حصلوا على حقوقهم بموجبها.
كما حَسمت، خلال يوم واحد فقط، نزاعاً استمر أربع سنوات لتركة مدينة، وبلغت قيمة تسويات أنجزتها خلال أقل من عام منذ إنشائها نحو 2.3 مليار درهم.
وارث غير متوقع
قال رئيس محكمة التركات في دبي، القاضي محمد جاسم الشامسي، إن هناك نزاعات متعلقة بالتركات لا تخلو من غرابة، وربما تعقيد، من بينها نزاع استطاعت المحكمة تسويته بين الورثة واستغرق الأمر وقتاً.
وقبل توزيع الأنصبة وإنهاء القسمة، فوجئ الجميع بظهور وارث غير متوقع، هو زوجة أخرى للمتوفى لم يكن يعلم بأمرها أحد، وتم تأجيل القسمة إلى أن أثبتت قانوناً أنها كانت متزوجة به، وأدخلت في الحسبة، لافتاً إلى أن هذه المواقف تحدث لأنها مسائل إنسانية مرتبطة بالحياة.
. محكمة التركات في محاكم دبي حققت نتائج لافتة.