في تطور مثير استغرق 16 عاما، توصل العلماء أخيرا إلى اكتشاف نوع غريب من الجسيمات الذي يكتسب كتلة فقط عند الحركة في اتجاه واحد، وكان هذا الاكتشاف مجرد نظرية طُرحت عام 2008، لكنه تحقق مؤخرا ورُصد لأول مرة في تجربة أجريت على بلورة شبه معدنية تُعرف بـ”زركونيوم سيليكون سلفيد”، جرى تبريدها إلى 269 درجة مئوية تحت الصفر، ومن المتوقع أن يفتح هذا الإنجاز آفاقا جديدة في علوم الكم وتطبيقات المواد.
وينضم هذا الجسيم إلى فئة خاصة تسمى “أشباه الجسيمات”، التي لا تعد كيانات فردية مستقلة، بل هي ناتجة عن مجموعة من الجسيمات التي تعمل بشكل جماعي وتنشأ في ظروف معقدة، وتُظهر خصائصها عادة الديناميكيات المعقدة للمواد التي توجد فيها.
بمعنى أوضح، فأشباه الجسيمات ليست مثل الإلكترون أو البروتون، بل هي نتيجة لا تظهر إلا في وجود مجموعة من الجسيمات التي تتفاعل معا، فيمثل الفراغ ما بينها خصائص جسيم إضافي، ويشبه الأمر الفقاعة في الماء، فهي لا تحتوي على شيء وليست إلا منطقة خالية من الماء، إلا أنها تمثل كيانا يتحرك في الماء يمكن فهمه ودراسة خصائصه.
نوع جديد من الخصائص
أما شبه الجسيم المكتشف حديثا، المعروف باسم “الفرميون شبه ديراك”، فيتميز بوجود كتلة عند التحرك في اتجاه واحد، بينما يبقى عديم الكتلة في أيّ اتجاه آخر.
وتخالف هذه الظاهرة المدهشة المفاهيم التقليدية للكتلة في الفيزياء، التي ترتبط عادة بالطاقة ومقاومة الحركة، وقد أعرب الفيزيائي المتخصص في المادة المكثفة، يينمينغ شاو، من جامعة ولاية بنسلفانيا، عن دهشته من هذا الاكتشاف، موضحا أن الفريق لم يكن يبحث بشكل محدد عن الفرميون شبه ديراك في تجربتهم.
وقال شاو في بيان صحفي رسمي صدر عن جامعة ولاية بنسلفانيا: “لم نكن حتى نتوقع وجود فرميون شبه ديراك عندما بدأنا العمل على هذه المادة، لكننا لاحظنا إشارات غير مفهومة وتتبعناها حتى حصلنا على نتائج مذهلة وغير متوقعة”.
وينتج السلوك الفريد لشبه الجسيم -كونه عديم الكتلة في اتجاه وذا كتلة في اتجاه آخر- عن تفاعله مع البنية الإلكترونية لبلورة الزركونيوم. وقد شبّه شاو هذا السلوك بقطار يتحرك عبر تقاطعات سكك حديدية، إذ يتحرك قطارنا شبه الجسيمي على مساره السريع بسرعة الضوء، لكنه يصل إلى تقاطع ويحتاج إلى التبديل إلى مسار عمودي، وفجأة، يواجه مقاومة، ويكتسب كتلة حينها.
التطبيقات والتداعيات
ويمكن أن تؤدي القدرة على عزل والتلاعب بمثل هذه أشباه الجسيمات إلى تحقيق تقدمات كبيرة في مجالات مثل الحوسبة الكمومية، وتخزين الطاقة، وتقنيات الاستشعار.
ومع ذلك، يحذر الباحثون من أن كثيرا من التفاصيل ما زالت غامضة وتحتاج إلى دراسة معمقة. وأكد شاو ذلك قائلا: “الجزء الأكثر إثارة في هذا الاكتشاف هو أن البيانات التي حصلنا عليها لا يمكن تفسيرها بالكامل حتى الآن، وهناك عديد من الألغاز غير المحلولة فيما لاحظناه، وهذا ما نعمل على فهمه”.
وبالرغم من أن الظروف التجريبية المطلوبة لرصد هذه الظاهرة -البرودة الشديدة والحقول المغناطيسية القوية- تجعلها بعيدة عن التطبيقات العملية حاليا، فإن الاكتشاف يفتح آفاقا جديدة للبحث العلمي في المستقبل، وأحد التحديات التي تواجه العلماء حاليا هو استخراج طبقات على حدة من بلورة الزركونيوم متعددة الطبقات، لدراسة سلوك شبه الجسيم بمزيد من التفصيل، الأمر من شأنه أن يساعد في تحليل الخصائص الإلكترونية والجسيمية بدقة أكبر، خاصة عند التعامل مع سلوك غير عادي كالسلوك الذي أظهره الفرميون شبه ديراك.