يُعدُّ المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، شخصية محورية في تاريخ دبي، حيث صنع مجداً لايزال قائماً حتى اليوم، فقد كان نموذجاً للقيادة الحكيمة والتوجيه السليم، تاركاً إرثاً غنياً من الدروس والحكمة عبر سيرة استثنائية.
في كتابه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، يستعرض صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ثلاثة دروس أساسية استلهمها من تجربة والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وشكلت ركيزة أساسية لفلسفة الحكم التي اتبعها سموّه.
التعلم المستمر.. ركيزة لبناء المستقبل
يفتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، دروسه بتجربته التعليمية الغنية من والده القائد المعلم، الذي كان يشجعه دائماً على الحوار والتفاعل مع مختلف شرائح المجتمع، ويصف سموّه ذلك قائلاً: «كان كل يوم في حكم الشيخ راشد مدرسة لي».
وذكر أنه من القرارات الأولى التي اتخذها المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بعد توليه مسؤولية الحكم كان تأسيس مجالس للبلدية والتجار، إضافة إلى دعوة عدد من الموهوبين في المجتمع من بناة ومهندسين وتجّار ومثقفين.
وعندما سأل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن سبب دعوة هذه الشخصيات، أجابه بجدية: «الإنسان لا يتوقف عن التعلم، نريد منهم أن يخبرونا كيف يريدون أن نبني دبي، ونريدهم أن يعلموك كيف تكون قائداً».
وكان «الدرس الأول» له أثر عميق في تشكيل شخصية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ومع مرور الوقت، وبتزايد مسؤولياته، أدرك سموّه أهمية هذا الدرس في تعزيز قدراته كقائد، فالإنسان، كما أكد الشيخ راشد، لا يولد كاملاً، بل يحتاج إلى الآخرين لاستكمال فكره ورأيه.
وتعكس فلسفة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، حول التعلم المستمر ضرورة أن يكون القائد على دراية بجميع جوانب مجتمعه، فالتعلم لا يقتصر على اكتساب المعرفة النظرية، بل يمتد إلى فهم احتياجات المجتمع والتفاعل معه بشكل فعّال، وهذه الفلسفة تجعل القائد أكثر قدرة على التعرف إلى التحديات التي يواجهها شعبه، ما يتيح له تقديم الحلول المناسبة.
ومن خلال هذا النهج، يؤكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رؤية المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في أهمية التعليم كوسيلة لبناء مجتمع قوي ومتماسك، حيث يلعب التعليم دوراً محورياً في تعزيز التنمية والازدهار.
إلهام المستقبل «فن صناعة القادة»
يقول صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في «قصتي»: «في أحد المجالس التي شهدتها تحت قيادة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، استشعرت أهمية صناعة القادة كأحد أسرار نجاح المجتمعات، حيث بدأ الشيخ حديثه مع أحد الرجال، مشيراً إلى قدراته القيادية، وموكلاً إليه مشروعاً هاماً، وعندما ترددت في تأييد هذا الاختيار، عبّر الشيخ عن رؤيته العميقة بقوله: من أهم صفات الحاكم الناجح أن يُحيط نفسه بقادة أقوياء، وإذا لم نجدهم، فعلينا أن نصنعهم».
وذكر سموّه أن هذا الدرس كان له وقع خاص في نفسه، حيث عكس رؤية واضحة حول مسؤولية الحاكم في تعزيز القيادة بين أفراد المجتمع، فصناعة القادة ليست مجرد عبارة تُقال، بل هي عملية شاملة تتطلب الجهد والتوجيه.
منذ تلك اللحظة، قام صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بتطبيق هذا المبدأ في حياته، واستثمر في تطوير برامج خاصة لإعداد القادة الشباب. وأكد سموّه أن «العديد من هؤلاء الشباب أصبحوا قادة عالميين، يساهمون بفاعلية في تحقيق الأهداف والطموحات»، مشيراً إلى أن «قدرة الحاكم على توفير الفرص وتعزيز الإمكانات القيادية تمثل ركيزة أساسية لبناء مجتمع قوي، حيث تكون المشورة عنصراً هاماً لإثراء الفكر. وصناعة القادة إضافة فاعلة لتحقيق الرؤى المشتركة».
القادة الحقيقيون هم العمالقة الصامتون
طرح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم سؤالاً في صغره على المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم: «من هم القادة الحقيقيون في هذا العالم؟» وكانت إجابة الشيخ راشد بن سعيد ذات دلالات عميقة، إذ قال: «القادة الحقيقيون اليوم ليسوا كالماضي، لقد تغير العالم. القادة هم العمالقة الصامتون الذين يمتلكون الأموال، وليس الساسة الذين يثيرون الكثير من الضجيج».
هذا الدرس يكشف عن فهم عميق لطبيعة القيادة في العصر الحديث، فالقدرة الاقتصادية هي الأساس الذي يقوم عليه النجاح القيادي، والقادة الناجحون هم من يدركون قوة الاقتصاد وكيفية توجيهه لخدمة المجتمعات. ولذلك، تبنى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فلسفة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بالابتعاد عن صراعات السياسة، والتركيز على المشاريع والتنمية الاقتصادية، وهذا النهج أسهم في جعل دبي واحدة من أنجح التجارب التنموية في المنطقة.
بفضل هذا الإدراك، أصبح الوطن مثالاً يُحتذى به، حيث اختار الكثير من الشباب العربي الانتقال إليه لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم وقد تجلى تأثير هذه الفلسفة في نجاح البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ما جعلها أيقونة عالمية في مجال التنمية.
دروس الشيخ راشد.. إرث دبي
يظل إرث المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، محفوراً في وجدان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفي أبناء الإمارات، حيث شكلت رؤيته الأساس الذي بنيت عليه إنجازات دبي الحالية، إذ غرس الشيخ راشد قيماً عميقة تتمحور حول أهمية التعلم المستمر، ما ألهم جيلاً جديداً من القادة الشباب للاستمرار في تطوير أنفسهم.
كما كان تأكيد المغفور له راشد بن سعيد آل مكتوم على بناء قادة المستقبل بمثابة خريطة طريق للأجيال الحالية والقادمة، فقد اعتبر أن القادة الحقيقيين هم أولئك الذين يحيطون أنفسهم بالأشخاص الموهوبين، ويسعون إلى صناعة قادة من خلال توفير الفرص والدعم، وهذا النهج يُعدُّ حجر الزاوية في السياسة الحالية لدبي، حيث يستثمر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في شباب الإمارات، مهيئاً لهم البيئات التي تشجعهم على الابتكار والإبداع.