اعتبر النائب السابق لرئيس الساحة الفلسطينية في قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، أفرايم غانور أن فكرة استقدام شركات أمنية أميركية خاصة للسيطرة على الجوانب المدنية في قطاع غزة، هي أفضل حل إسرائيلي لمعالجة فشل الاحتلال في الحد من استمرار سيطرة المقاومة الفلسطينية مدنيا على القطاع، رغم مرور أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي.
وقال غانور في مقال نشرته له صحيفة معاريف الصادرة بالعبرية، إن هذا الحل الانتقالي يهدف لمنع تحول الاحتلال المدني الإسرائيلي إلى واقع دائم، مع ضمان استمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة.
الحاجة لمرحلة انتقالية
وأضاف غانور أن السؤال الأبرز لدى القيادة الإسرائيلية خلال الحرب على غزة كان “ماذا بعد انتهاء الحرب؟” أي كيف ستتعامل إسرائيل مع غزة بعد انتهاء العملية العسكرية؟
وأكد أن الانتقال من الحرب إلى مرحلة ما بعد الحرب -أو ما بات يعرف باليوم التالي للحرب- لن يحدث دون مقدمات، بل سيتطلب مرحلة انتقالية ضرورية لوضع أسس الواقع الجديد في القطاع.
ورأى أن هناك عقبتين أمام صياغة التصور الإسرائيلي لما بعد الحرب، وهما “الرقابة الأمنية والرقابة المدنية”، أو بمعنى آخر السيطرة العسكرية وتسيير الشؤون المدنية بالقطاع.
وأوضح أن “العقبة الرئيسية التي تبرز هي مسألة الرقابة الأمنية، حيث لا توجد قوة دولية مستعدة لتحمل المخاطر في غزة بينما لا تزال حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تسيطر على أجزاء منها، إضافة إلى ذلك، فإن الرقابة المدنية تشكل تحديا لإسرائيل التي لا ترغب في أن يتحمل جنودها مسؤوليات مدنية مثل توزيع المساعدات، خوفا من تعريض حياتهم للخطر”.
وقال المسؤول الإسرائيلي السابق إن الحل لهاتين العقبتين، من منظوره، يكمن في استقدام شركات أمنية أميركية خاصة، مشيرا إلى ما تتمتع به تلك الشركات من خبرة واسعة في إدارة مناطق النزاعات، برزت من قبل في العراق وأفغانستان.
وقال إن “الهدف هو أن تتولى هذه الشركات تسيير الأمور المدنية في غزة تحت إشراف إسرائيلي، على أن يقتصر دور إسرائيل على توفير غطاء أمني شامل في القطاع”.
وأوضح غانور أن هذه الشركات ستعمل فقط في مناطق إنسانية محددة، معزولة عن مناطق القتال، مثل شمال غزة، “مما سيمكنها من إدارة توزيع المساعدات وقطع صلة حماس بالسكان” وفق تعبيره.
لكن المسؤول الإسرائيلي السابق تجاهل -عندما قدم هذا المقترح- المدنيين الفلسطينيين المتشبثين بأرضهم، الذين يرفضون محاولات التهجير الإسرائيلية، وسيبقون في المناطق التي يدور فيها القتال، الأمر الذي يعني استمرار تجويعهم.
خصخصة السيطرة المدنية
يؤكد غانور أن الهدف الأساسي من الحل الذي يقترحه هو “خصخصة السيطرة المدنية” في غزة، حيث ستتولى الشركات الأمنية الخاصة مسؤولية الإشراف على الجوانب الإنسانية والمدنية دون التدخل في العمليات العسكرية، ويقول “هذا النهج يتيح لإسرائيل الحفاظ على سيطرتها الأمنية دون أن تتورط في تفاصيل الحياة اليومية لسكان غزة، مما يحول دون تحول الحل المؤقت إلى وضع دائم”.
ويقترح غانور أن يكون التعاون الأميركي جزءا أساسيا من هذا الحل، ويوضح أن سبب ذلك هو كون الولايات المتحدة قوة يمكن الاعتماد عليها في إسرائيل.
ورغم أنه يشير إلى أن الأميركيين يعارضون إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط، فإنه يؤكد أن “استخدام شركات أمنية خاصة قد يكون مقبولا للأميركيين. وقد أثبتت هذه الشركات نجاحها في توفير الدعم اللوجستي والعسكري في مناطق نزاع أخرى”.
وفي هذا السياق، يعبر غانور عن مخاوفه من أن تتحول المرحلة الانتقالية إلى واقع دائم، مما يجعل إسرائيل حاكمة مدنية لغزة بما يترتب على ذلك من مسؤوليات قانونية في إدارة السكان، ولذلك فهو يؤكد أن “الهدف هو جعل الحل محدودا زمنيا، حيث ستتولى الشركات الأميركية المهمة لفترة معينة قبل التوصل إلى نظام دائم ومستقر”.
ويسوّق غانور لفكرة أن هذا الحل سيؤدي إلى إضعاف حماس تدريجيا عن طريق قطع صلاتها بالسكان ومواردها الاقتصادية، متجاهلا فكرة تجذّر حماس كفكرة في صفوف الفلسطينيين بصرف النظر عن إشرافها على تقديم المساعدات من عدمه.
كما يعتبر أن “تطبيق هذا النموذج قد يسهم في تغيير معادلة التعامل مع المختطفين الإسرائيليين، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستعداد داخل غزة لإطلاق سراحهم”.
ويختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن مقاربة الاعتماد على الشركات الأمنية الأميركية لملء فراغ السلطة المدنية في القطاع، وتجنب تحميل إسرائيل مسؤوليات إضافية، توفر حلا مؤقتا، وتفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مرحلة ما بعد الحرب في غزة، ويتساءل عن مدى قدرة إسرائيل على “التوصل إلى تسوية طويلة الأمد تضمن أمنها واستقرار المنطقة” وفق تعبيره.