بعد التطورات الأخيرة في لبنان، يتكثف النقاش في وسائل الإعلام الإسرائيلية وبين المحللين بشأن الخطوة التالية، وهل ستقدم إسرائيل فعلا على عملية برية؟ وهل ستكون محدودة زمانا ومكانا وإلى أين تتجه الأمور؟
ولا يخفي المحللون العسكريون الإسرائيليون أن مثل هذه العملية، في حال تمت، ستؤدي إلى خسائر في صفوف جيشهم، في ضوء استعدادات حزب الله لها منذ فترة طويلة.
ويذهب محللون إلى أن الجيش الإسرائيلي يتأهب فعلا لتنفيذ عملية برية، وينتظر قرار المستوى السياسي (الحكومة)، وذلك بزعم إقامة منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان.
واستباقا لذلك، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم، في كلمة متلفزة، أن الحزب مستعد لأي عملية برية إسرائيلية وقواته جاهزة للالتحام البري، وذلك رغم اغتيال تل أبيب أمينه العام حسن نصر الله، الجمعة.
قتال وخسائر
وضمن هذا السياق، طرح المحلل العسكري بصحيفة هآرتس عاموس هارئيل سؤالا قال إنه سيظل بلا إجابة، وهو هل سيتم استكمال الهجوم الجوي، الذي حقق مثل هذه الإنجازات بعيدة المدى، بهجوم بري في جنوب لبنان؟
وأشار في مقال تحليلي إلى أن رؤساء بلديات المدن القريبة من الحدود الشمالية (لبنان)، والتي تم إجلاء سكانها، يضغطون من أجل مثل هذه الخطوة (عملية برية)، وكذلك كبار الضباط من القيادة الشمالية للجيش.
وأكد أن هناك حاجة ملحة لمعالجة البنية التحتية العسكرية التي بناها حزب الله، خاصة قوة الرضوان النخبوية.
وأضاف أن هذه البنية موجودة قرب الحدود فوق وتحت الأرض، وتم بناؤها في سنوات ما بعد الحرب الأخيرة في لبنان عام 2006، ويجب أن تتم معالجة ذلك بإرسال قوات برية، كما الحال في قطاع غزة.
إلا أن هارئيل رأى أن العملية البرية تتطلب قتالا صعبا، وستؤدي إلى وقوع قتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي.
ومضى قائلا: نُوقشت خطط مختلفة لهذا على مر السنين، من الدخول المحدود إلى المناطق ذات التضاريس القيادية إلى احتلال كل الأراضي الواقعة جنوب نهر الليطاني.
وأكد أنه نظرا للاستعدادات التي قام بها حزب الله على مر السنين لهجوم بري إسرائيلي، فلن تكون هذه مهمة سهلة، حتى لو فر العديد من عناصر حزب الله شمالا.
وأفاد بأنه يدور النقاش في إسرائيل بشأن ما إذا كانت مثل هذه العملية ضرورية، وما إذا كانت هناك حاجة إلى ضربة أخرى الآن للتسبب في انهيار حزب الله وإضعاف مكانته وقدراته لسنوات مقبلة.
وقال إن أحد الادعاءات الشائعة في الأيام الأخيرة هو أن إسرائيل بالغت في تقدير حزب الله، وجعلت نفسها لسنوات أكثر خوفا منه.
وحذر هارئيل من أن الإنجازات التي حققها الجيش مؤخرا شجعت مزاجا من الغطرسة في استوديوهات التلفزيون، حيث يتنافس المذيعون والخبراء في تقدير ضعف العدو والإشادة بالعبقرية الإسرائيلية.
ولكنه قال إنه يجب أن نتذكر أن صافرة النهاية لم تنطلق بعد، وأن أعداءنا، من إيران إلى حزب الله وحماس، ما زالوا قادرين على الرد، حتى ولو لحقت بهم أضرار جسيمة.
مسألة وقت فقط
ومن جهته، تحدث المحلل العسكري بموقع واللا الإخباري الإسرائيلي أمير بوحبوط عن أن الجيش يستكمل عمليات مهمة في إطار الاستعدادات لمناورة برية في جنوب لبنان.
وأفاد بأنه يتم جمع معلومات استخباراتية دقيقة حول الاستعدادات العسكرية لحزب الله بشكل عام وقوة الرضوان خاصة، كما يتم تجميع خطط عملياتية جديدة تتلاءم مع التغيرات في أراضي جنوب لبنان ومع أفراد حزب الله، بعد آلاف الهجمات التي يشنها الجيش الإسرائيلي في المنطقة.
ونقل بوخبوط عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين لم يسمهم أن جزءا كبيرا من الاستعدادات للمناورة (العملية البرية) كان مطلوبا بعد الأضرار التي لحقت بأنظمة القيادة والسيطرة التابعة لحزب الله.
وأشار إلى ضرورة استغلال ما يصفه بالانفصال النسبي بين قمة التنظيم والقادة الميدانيين، وصعوبة نقل الأوامر داخل حزب الله في الوقت المطلوب.
وقال إنه يتم حشد للقوات في القيادة الشمالية، ويركز تدريب الألوية والكتائب التي انتقلت شمالا على الاستعداد للمناورة، على أساس الدروس المستفادة من القتال في غزة والتكيف مع لبنان.
ونقل عن المسؤولين أن هناك إجماعا على مستوى القيادة العليا للجيش والمستوى السياسي على أن المناورة البرية هي مسألة وقت فقط.
وقال مصدر أمني لم يسمه إن المناورة البرية ترمي إلى تدمير الأهداف، ولكن أيضا لاستعراض قوة الجيش الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
سيناريو وشيك
أما المقدم احتياط كوبي لافي، محلل الشؤون العسكرية لهيئة البث الإسرائيلية (رسمية) فزعم، اليوم الاثنين، أن هدف إسرائيل من مناورة برية محتملة في العمق اللبناني ليس احتلالا، وإنما إبعاد عناصر حزب الله عن الحدود لضمان عودة أهالي البلدات الشمالية إلى منازلهم.
واعتبر أنه يمكن للجيش اللبناني أن يلعب دورا في المرحلة المقبلة في معادلة ضمان الأمن بالمنطقة الفاصلة بين إسرائيل ولبنان بشكل يبعد حزب الله عن دائرة السطوة.
وأكد أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه واستمرت الإطلاقات الصاروخية من لبنان، فلن يكون أمام إسرائيل مفر من محاولة تقويض حزب الله بشكل يفقده القدرة على ممارسة التهديد، مشيرا إلى أن عملية برية في لبنان هي أحد السيناريوهات الوشيكة المحتملة.
وللقبول بوقف إطلاق نار، اشترط وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في رسائل أرسلها إلى نظرائه في 25 دولة، تحريك حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه، حسب هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، الاثنين.
ومنذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها حزب الله، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر الخط الأزرق الفاصل، أسفر إجمالا حتى ظهر الاثنين عن ما لا يقل عن 1801 قتيل، بينهم أطفال ونساء، و8 آلاف و877 جريحا، حسب رصد الأناضول لإفادات رسمية.
وتطالب هذه الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أميركي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، وخلّفت أكثر من 137 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، في إحدى أسوا الكوارث الإنسانية بالعالم.