Login النشرة البريدية

في أحد فنادق القاهرة، أعلن المركز الدولي للزراعة في المناطق الجافة والقاحلة (إيكاردا)، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، عن نتائج مشروعة بالتعاون مع معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، التابع لوزارة الزراعة المصرية، والمتعلق بإنتاج رغيف الخبز المدعم بدقيق الشعير، بغية تقليل فاتورة استيراد القمح، الذي تأثرت أسعاره بسبب التغيرات المناخية والاضطرابات في سلاسل التوريد نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية.

ورغم أن النتائج من ناحية المذاق والقيمة الغذائية، جاءت في صالح هذا النوع الجديد من الخبز المدعم بـ20% من دقيق الشعير، إلا أن الحكومة المصرية على ما يبدو تريد توسيع دائرة الخيارات، التي ضمت مؤخرا نبات “الكاسافا”، وهو من المحاصيل القادرة على تحمل درجات الحرارة العالية، لذلك تصفه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، بأنه “محصول القرن الـ21”.

وكشف مركز بحوث الصحراء، التابع لوزارة الزراعة المصرية قبل أيام، عن نجاح زراعة “الكاسافا” في محافظة الوادي الجديد المصرية بعد عامين من التجارب، وذلك تمهيدا للتوسع في زراعة هذا النبات في الأراضي المستصلحة والهامشية، والتي لا تصلح لزراعة القمح.

ويقول رئيس البرنامج البحثي لمشروع التنمية المستدامة لمحصول “الكاسافا” الدكتور أحمد جمال، في تصريحات صحفية، إنه تجري حاليا دراسات استخراج الدقيق من المحصول ودراسة خصائص تكوين “العجين”، ومن ثم تحديد نسب خلطه بالقمح.

استخراج الدقيق من “الكاسافا” لاستخدامه في إنتاج الخبز، تجربة مطبقة في أكثر من دولة أفريقية (شترستوك)

البحث عن نسبة الخلط المثالية

واستخراج الدقيق من “الكاسافا” لاستخدامه في إنتاج الخبز، ليس بالجديد، إذ يتم توظيفه في العديد من البلدان لهذا الغرض، ولكن الجديد الذي تسعى له التجربة المصرية هو تحديد النسبة المثلى من الخلط، والتي يمكن أنه تلقى قبولا لدى المستهلك المصري.

ويتم تجهيز دقيق “الكاسافا”، بتقشير جذورها الطازجة وغسلها، ثم تقطعيها إلى شرائح رفيعة، ومن ثم تجفيفها على صفائح بلاستيكية، أو على سطح نظيف مرتفع (لمنع التلوث بالغبار) لمدة 2-3 أيام تقريبا، أو في فرن على حرارة 55 درجة مئوية لمدة 24 ساعة، ثم يتم طحن الرقائق المجففة إلى دقيق باستخدام مطحنة محلية، أودق الرقائق باليد باستخدام هاون ومدقة، وبعد ذلك يتم نخل الدقيق من خلال منخل ناعم، ليصبح مهيئا للاستخدام.

وبينما توصي عدة دراسات غذائية أجريت في الدول المنتجة لهذا النبات، بنسبة خلط تصل إلى 30% من دقيق “الكاسافا” مع دقيق القمح، فإن التجارب التي أشارها إليها الدكتور جمال، تسعى لمعرفة النسبة التي ستحظى بالقبول لدى المصريين، حيث ستشمل إجراء مقارنات في المذاق بين رغيف الخبز المصنع من دقيق القمح فقط، وذلك المصنع من خلط دقيق القمح مع دقيق الكاسافا بنسب مختلفة، وصولا للنسبة الأمثل.

وكانت التجارب التي أجريت العام الماضي في مشروع رغيف الشعير، بالتعاون بين “إيكاردا”، ومعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، قد توصلت إلى أن إضافة 20% من دقيق الشعير، كان مناسبا لإعطاء رغيف الخبز مذاقا منافسا للرغيف المصنع من دقيق القمح فقط.

وأيا كانت النسبة التي ستقررها التجارب التي سيجريها مشروع “الكاسافا”، فإنها ستحتاج مثلما سيحتاج أيضا مشروع الشعير، إلى تغيير في الثقافة الغذائية، عبر ندوات وورش عمل تمزج بين الحديث النظري والجانب العملي، كما يؤكد المدير العام للمركز الدولي للزراعة في المناطقة الجافة والقاحلة المهندس علي أبو سبع.

ويقول أبو سبع في تصريحات هاتفية مع “الجزيرة نت” إنه “مهما تحدثت مع الجمهور عن القيمة الغذائية للخبز المتضمن دقيق الشعير والكاسافا، فلن يتم اعتمادهما، إلا إذا تم قبولهما من ناحية المذاق، لذا علينا أن نجعل الرغيف مقبولا من ناحية المذاق أولا، ثم ندعم انتشاره بالحديث عن قيمته الغذائية”.

ويطالب في هذا الصدد، بأن تتضمن الندوات وورش العمل المروجة لهذا التوجه عينات تجريبية للتذوق، على أن يتزامن ذلك مع خطاب إعلامي مكثف بكافة الوسائل، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، يتم فيه التركيز على القيمة الغذائية والصحية لهذه الإضافات الجديدة لرغيف الخبز.

المهندس علي أبو سبع المدير العام للإيكاردا أثناء الإعلان عن نتائج مشروع خبز الشعير (الإيكاردا)

حساسية القمح.. صمود الشعير والكاسافا

ويحقق رغيف الخبز المحتوي على الشعير العديد من الفوائد الغذائية، منها أنه غني بالألياف، وخاصة “البيتا جلوكان”، والتي تساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم، وخفض نسبة الكوليسترول، وتعزيز صحة الجهاز الهضمي، كما يحتوي على مجموعة متنوعة من العناصر الغذائية الأساسية، بما في ذلك الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة.

كما يحقق رغيف الكاسافا فوائد أخرى ومنها، أنه يحتوي على النشا المقاوم، وهو نوع من الألياف المفيدة في تغذية بكتيريا الأمعاء المفيدة، وتعزيز صحة الجهاز الهضمي، كما يمكن أن يساعد النشا المقاوم في تحسين حساسية الأنسولين ودعم إدارة نسبة السكر في الدم.

ويقول أبو سبع: ” وبالتالي فإن دمج دقيق هذين المحصولين مع رغيف القمح، ستكون له فوائد صحية، والأهم من هذه الفوائد رغم قيمتها، أنه في المستقبل لن يكون أمامنا سوى خيار البحث عن هذه الحلول غير التقليدية بسبب تأثر محصول القمح بالتغيرات المناخية، إذ يعد من المحاصيل التي توصف بأنها (حساسة مناخيا)”.

وأظهرت أكثر من دراسة حديثة مدى تأثر القمح بتغيرات المناخ، ومنها الدراسة التي نشرتها مجلة “كلايمت آند آتموسفيرك ساينسز” الأميركية، والتي قارن فيها الباحثون بين قدرة التحمل الفسيولوجي للقمح الشتوي في نماذج مناخية مختلفة، وخلصوا إلى أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تبطئ نمو القمح وتتسبب في تكسير الإنزيمات الرئيسية داخله.

وفي المقابل، فإن محصولي “الكاسافا” والشعير، من المحاصيل المتكيفة مع تغيرات المناخ، ودعت أكثر من دراسة إلى زيادة إنتاجية الكاسافا كإستراتيجية للتكيف مع تغير المناخ، وذلك لامتلاكها نظاما جذريا واسع النطاق يمكنه اختراق التربة الفقيرة، واعتبر تقرير نشره منتدى الاقتصاد الدولي أنها يمكن أن تساعد في تخفيف حدة الجوع في العالم، وتوفير زراعة مجدية اقتصاديا، وحتى وضع حد لتآكل التربة.

وبالمثل، تعتبر دراسات كثيرة الشعيرَ نموذجا انتقاليا للتكيف مع تغير المناخ، وذلك لعدة أساب، منها أنه يتمتع بتنوع وراثي واسع، حيث تتكيف عدة أصناف مع المناخات وظروف النمو المختلفة، ويوفر هذا التباين الوراثي موردا غنيا لبرامج التربية التي تهدف إلى تطوير محاصيل قادرة على التكيف مع المناخ، كما يشتهر بمرونته في مواجهة الضغوطات مثل الجفاف والملوحة والبرد، ويتمتع بدورة نمو قصيرة نسبيا، بما يسمح بدراسة أجيال متعددة خلال عام واحد، وهذا من شأنه أن يساعد على تسريع برامج التربية التي تهدف إلى فهم وتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ.

شاركها.
Exit mobile version