Login النشرة البريدية

كتب الأكاديمي والدبلوماسي اللبناني غسان سلامة مقالا طويلا في صحيفة فايننشال تايمز تحدث فيه عن الجاذبية المغناطيسية لمنطقة الشرق الأوسط التي تتمتع ​​بموقع إستراتيجي وكثافة رمزية وتنوع اجتماعي يجعلها غير مستقرة سياسيا، وبالتالي يغري بها الغزاة والسياسيين، من قورش الفارسي والإسكندر المقدوني، إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن ثم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الآونة الأخيرة.

ومع تراجع الإمبراطوريات الاستعمارية في القرن العشرين وازدهار عصر الاستقلال، بدأت تتشكل في الشرق الأوسط خريطة سياسية تعسفية إلى حد كبير، فتوزعت بين الدول الجديدة جبال وسهول وهضاب وصحاري ممتدة حول أنهار الأردن والعاصي والفرات، وقد تبين أن هذه الدول الحديثة هشة ومهددة بالصراعات العرقية وسوء الإدارة السياسية، والتدخلات الخارجية.

تاريخ من الاضطرابات

وقد شهد الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة العديد من مثل هذه الحلقات -حسب الكاتب- فاستخدمت مصر في عهد جمال عبد الناصر موجة حماسة القومية العربية لمحاولة فرض هيمنتها، فتم احتواؤها بوحشية من قبل الأسلحة الإسرائيلية المتفوقة، ومكائد الأنظمة العربية المحافظة والعداء الغربي النشط.

كما انخرطت إيران الخمينية في مشروع مماثل منذ الأيام الأولى للثورة الإيرانية، فدخلت في حرب مع العراق، ودعمت جماعات مسلحة مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين.

وكان آخر من تعرض للمنطقة هو نتنياهو الذي يستمر بالإعلان عن طموحاته وتثبت أفعاله أنه يعني ما يقول، ففي أعقاب هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حول غزة إلى أنقاض، وشرد سكانها وقصفهم وجوعهم وحرمهم من إنسانيتهم، ثم انتقل شمالا للحرب مع حزب الله، وقصف ميناء الحديدة لمعاقبة الحوثيين وظل يضرب مخازن الأسلحة والمسلحين في سوريا.

تغيير ميزان القوى

وفي غضون ذلك، لم يسمح نتنياهو لأحد أن ينسى أن هدفه الأول هو ضم الضفة الغربية المحتلة، حيث تتضاعف عمليات اغتيال النشطاء الفلسطينيين وتدمير قرى بأكملها ومصادرة الأراضي، تحسبا لما يخشى كثيرون أن يكون ضما كاملا قد يشمل نقل نحو 3 ملايين فلسطيني إلى شرق نهر الأردن، خاصة أن نتنياهو أعلن رغبته مؤخرا بإقامة دولة يهودية تمتد من العراق إلى مصر.

وعلى الصعيد العسكري، بينما بدا سلوك إسرائيل في غزة غريزيا وفوضويا وانتقاميا، فإن حربها في لبنان كانت مخططة بعناية، وكانت النتيجة انتصارات استخباراتية ووابل من القصف المستمر، ليتباهى نتنياهو بنجاح إسرائيل في “تغيير ميزان القوى في المنطقة لسنوات”.

الدكتور خليل العناني: هناك تطابق إسرائيلي أمريكي في شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل لاعبا مهيمنا

وأشار الكاتب إلى أن سلسلة النجاحات التكتيكية التي حققتها إسرائيل على الجبهتين لا جدال فيها، وأن العديد من المراقبين المؤيدين لإسرائيل يشعرون بحالة من النشوة، مما شجع نتنياهو على التفكير في شرق أوسط جديد، يعيد تصميمه بأسلحة إسرائيلية ويعكس إرادة المهيمن الجديد.

ولا شك في أن إسرائيل غيرت موازين القوى، ونجحت -حسب غسان سلامة- في شل حركة حماس وحزب الله إلى حد كبير، ووضعت نفسها في موقف يجعل حكومتها تعتقد أنها قادرة على إملاء التكوين الإقليمي الجديد، بمساعدة جيشها وسكوت الأنظمة العربية وكرم الولايات المتحدة في إمدادات الأسلحة والدولارات والدعم الدبلوماسي، والنظام الدولي المنهار.

غير أن المسألة -بالنسبة للكاتب- ليست عن حقيقة حصول هذا التغيير الجوهري، بل عن مدى استمراريته، لأن المحاولات السابقة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط كانت تنتهي عموما بالفشل، ومنها محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغين ومبادرة بوش الابن التي قادتها الولايات المتحدة عام 2003 لتصدير الديمقراطية عبر المنطقة من خلال تغيير الأنظمة.

هل تنجح إسرائيل؟

وشكك غسان سلامة في إمكانية نجاح نتنياهو حيث فشل كل هؤلاء، وذلك لبضعة أسباب وجيهة، أولها أن من يسعى للهيمنة يجب أن يكون علي استعداد لإعادة رسم الحدود ووضع رؤساء موالين في البلاد المحيطة، وهو ما يصعب فعله.

والسبب الثاني هو أن صمت الأنظمة العربية خلال العام الماضي مرتبط ارتباطا وثيقا بتوافق رغبتها بإضعاف إيران مع رغبة إسرائيل بتدمير حماس وحزب الله، وهما مواليان لإيران.

أما إذا تجاوز نشاط إسرائيل هذا التقارب العرضي للمصالح، فقد يحل محل الصمت العربي معارضة كبيرة لمحاولات تهجير الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة، كما لن تكون الهيمنة السياسية الإسرائيلية في بلاد الشام مقبولة لدى مصر والسعودية ولا غيرها من القوى الإقليمية.

والسبب الثالث هو أن الاستخدام المفرط للقوة من شأنه أن يبقي خصوم إسرائيل في حالة من الغضب، وبالتالي لن تستطيع إسرائيل تحويل انتصاراتها إلى هيمنة مستقرة، وستستمر القضية الفلسطينية -كما يرى الكاتب- وكأنها شجيرة الكتاب المقدس المشتعلة، التي لا تنطفئ إلا لتشتعل مرة أخرى.

والسبب الرابع فهو أن هيمنة إسرائيل -إذا ما تم تأسيسها- ستكون في بيئة غير مستقرة، فسوريا محتلة فعليا والعراق لم يسترد وحدته الوطنية، والأردن يخشى ضم الضفة الغربية، أما لبنان فهو مفلس ماليا ومشلول سياسيا ومهدد بتكرار الحرب الأهلية.

أما السبب الأهم فهو أن الهيمنة الإقليمية التي تحاول إسرائيل بناءها لا تسعى إلى دمج المهزوم بل إلى استبعاده، وبالتالي فهي غير مستساغة حتى بالنسبة لأقل سكان المنطقة ميلا إلى الحرب، الذين سيكون عليهم دفع ثمن جرائم إسرائيل كما دفع الفلسطينيون ثمن جرائم الأوروبيين والمحرقة اليهودية.

ويرى غسان سلامة أنه لا يزال هناك سبيل لتجنب الأسوأ في هذه المنطقة المعذبة والمضطربة، وهو إعادة التركيز على حقوق الفلسطينيين السياسية، لأنها جوهر المسألة، وهو ما يريد العديد من الإسرائيليين نسيانه، وما تخوض إسرائيل مغامراتها الإقليمية تهربا منه.

شاركها.
Exit mobile version