Login النشرة البريدية

منذ نكبة عام 1948، تجاوز الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي حدود النزاع على الأرض ليشمل معركة أعمق حول الهوية والتاريخ.

فعلى مدى عقود، سعى الاحتلال لطمس الرواية الفلسطينية، محاولا استبدالها بسردية تنفي وجود الشعب الفلسطيني وتاريخه العريق، وهو ما شكل تحديا إضافيا للفلسطينيين دفعهم إلى لنضال، ليس فقط من أجل أرضهم بل أيضا من أجل الحفاظ على هويتهم وتراثهم.

وفي مواجهة هذه التحديات، برز العديد من المبادرات الفلسطينية الهادفة إلى الحفاظ على الهوية والتراث وتوثيقهما، ويبرز مشروع “هوية” مثالا بارزا على هذه الجهود، حيث يعمل على توثيق جذور العائلات الفلسطينية، جامعا الوثائق والصور والشهادات التي تثبت وجودهم المتواصل.

هوية.. 10 سنوات) - الدكتور ربحي حلوم - عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج - الأردن)

عائلة حلوم حجازي.. نموذج للهوية الراسخة

ولد عبد الرازق حلوم، المعروف باسم راؤول حلوم، عام 1901 في قرية المزرعة الشرقية بفلسطين، ثم هاجر عام 1925 إلى السلفادور وعاد بعد 10 سنوات إلى وطنه.

وفي عام 1938، استعاد جنسيته الفلسطينية بعد أن كان يحمل الجنسية العثمانية عند مغادرته، بحسب الوثائق الرسمية التي استخرجها مشروع “هوية” من الأرشيف.

كان لهذه الوثائق أهمية كبيرة في توثيق تاريخ العائلة، حيث أفاد الأستاذ ربحي حلوم، عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وابن شقيق عبد الرزاق، بأن هذه الوثائق لم تكن متوفرة لدى العائلة من قبل.

ولا شك أن لهذه الوثائق أهمية في تعزيز ارتباط العائلة بجذورها الفلسطينية، فهي ليست مجرد أوراق، بل هي دليل مادي على الانتماء والارتباط بالأرض، وهي جزء لا يتجزأ من المعركة لإثبات الحق التاريخي للفلسطينيين في أرضهم.

من جانبه زوّد الأستاذ ربحي حلوم مشروع “هوية” بمعلومات إضافية عن تاريخ العائلة وقدّم لهم شجرة العائلة التي تتفرع من شجرة عائلة حجازي، وهي شجرة ضخمة تضم مئات الأسماء.

قرار إعادة الجنسية الفلسطينية الصادر عن حكومة فلسطين عام  1938 لراؤول حلوم ولزوجته وأبنائه القاصرين (موقع هوية)

دور “هوية” في مواجهة الرواية الصهيونية

يقول القائمون على مشروع “هوية” إن عملهم يستند إلى مصادر متعددة، تشمل الأرشيفات المحلية والعالمية، وشهادات كبار السن من أفراد العائلات الفلسطينية.

ووفقا لياسر قدورة، مدير المشروع، فإن الحفاظ على شجر العائلات الفلسطينية هو جزء من معركة الهوية التي تستهدف دحض الرواية الصهيونية التي تدعي أن فلسطين كانت “أرضا بلا شعب”.

ويوضح قدورة أن الاحتلال لطالما حاول التشكيك في انتماء الفلسطينيين عبر الادعاء بأن أسماء عائلاتهم (مثل المصري، البغدادي، البيروتي..) تدل على أصولهم من دول مجاورة.

ويتناسى الاحتلال أن هذه الهجرات كانت طبيعية على مر التاريخ، وأن الشعب الفلسطيني كبقية شعوب العالم يتكون من أفراد تحركوا لظروف اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية.

ولكن في المقابل، فإن قيام دولة الاحتلال كان استثناء تاريخيا شاذا، لأنه قام على اقتلاع شعب بأكمله وإحلال مهاجرين يهود مكانه.

شهادة مختار قرية المزرعة الشرقية المرفقة مع تقديم طلب اكتساب الجنسية الفلسطينية لراؤول حلوم (موقع هوية)

تزوير الرواية اليهودية

يؤكد مدير المشروع أهمية ما ذكره المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه “اختراع الشعب اليهودي”، حيث كشف عن الجهود الصهيونية لتزييف شجرة نسب يهودية تجمع مهاجري العالم في إطار شعب موحد.

وهذه الجهود استخدمت لتعزيز قانون “العودة” الإسرائيلي، الذي سمح بموجبه لأي شخص من “بذور إسرائيل” -أي له جذور يهودية- بالهجرة إلى أرض فلسطين، بينما يتم حرمان الفلسطينيين من حق العودة إلى أراضيهم.

ويُلاحظ أن الاحتلال أنشأ مؤسسات ضخمة تهدف لتوثيق الأنساب اليهودية، ويعتني بعنوان “تاريخ العائلة” بشكل لافت، إلى درجة تضمينه أحيانا مع الأنشطة التعليمية في المراحل الابتدائية.

وفي المقابل تسعى “هوية” لجعل الاهتمام بتاريخ العائلة الفلسطينية بابا من أبواب تثبيت حق العودة الفلسطيني، وكان من أبرز أعمالها جهود توثيق شجر العائلات، التي أسفرت حتى الآن عن جمع أكثر من 6300 شجرة، إلى جانب أرشفة 26 ألف وثيقة وأكثر من 38 ألف صورة، منها 5 آلاف صورة لشهود النكبة.

شجرة عائلة حلوم حجازي التي أعدها السفير الفلسطيني السابق الدكتور ربحي حلوم (موقع هوية)

أهمية توثيق العائلات الفلسطينية

عودة إلى عائلة حلوم-حجازي، واهتمامها بتوثيق تاريخها وجمع شجرتها رغم ما يتطلبه ذلك من مجهودات شاقة، يمكن اعتبارها مثالا حيا على مساهمة العائلات في مواجهة المشروع والتزييف الصهيوني.

يقول قدورة إن “رواية العائلة جزء لا يتجزأ من الرواية الوطنية الفلسطينية، كل شجرة عائلة يتم توثيقها هي وثيقة تدين الاحتلال وتؤكد حقنا في أرضنا”.

ولا يقتصر مشروع “هوية” على التوثيق بل يسعى لتثقيف الأجيال الشابة عبر ورش عمل تدريبية، حيث تم تأهيل أكثر من 600 شاب وشابة لتوثيق تاريخ عائلاتهم، وهذا الجهد أسهم في إنتاج روايات فردية متماسكة تدعم الرواية الفلسطينية الجماعية.

مشروع “هوية” يسعى لتثقيف الأجيال الشابة عبر ورش عمل تدريبية حيث تم تأهيل أكثر من 600 شاب وشابة لتوثيق تاريخ عائلاتهم (موقع هوية)

معركة لا تنتهي

تقود “هوية” والكثير من المؤسسات والمبادرات الفلسطينية معركة توثيق الهوية الفلسطينية في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لطمسها.

وهذه المعركة ليست مجرد جهد تاريخي، بل هي نضال من أجل المستقبل، فالحفاظ على جذور العائلات هو تأكيد على ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه، ورسالة واضحة بأن الاحتلال لن يستطيع محو وجود شعب عريق متجذر في تاريخه وأرضه.

ومختصر الحكاية أن معركة الهوية هي معركة وجود، ولن تنتهي إلا بزوال الاحتلال.

شاركها.
Exit mobile version