طهران – بعد توقفها عام 2022، عقب الاحتجاجات التي اندلعت في إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني، أجرى وفد إيراني مباحثات مع ممثلين عن الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) حول عدد من الملفات العالقة بين الجانبين أبرزها الملف النووي.
فبعد مرور أسبوع فقط على تبني مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ينتقد رسميا طهران بسبب “عدم تعاونها بما يكفي” في برنامجها النووي، أعلن كاظم غريب عبادي مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، في تغريدة على منصة “إكس”، أن بلاده اتفقت مع الترويكا الأوروبية على مواصلة الحوار في المستقبل القريب.
وبينما لم يبق سوى أقل من شهرين على عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يعتبر مراقبون في طهران المباحثات الإيرانية الأوروبية في جنيف، محاولة في الوقت بدل الضائع لجس نبض الطرف الآخر من أجل وضع النقاط على حروف خارطة الطريق التي كان قد رسمها كل منهما.
أجندة وأهداف
يذكّر الاجتماع الإيراني الأوروبي الأخير بالمباحثات التي انخرط فيها الجانبان قبل أكثر من عقدين من أجل التوصل إلى حل لبرنامج طهران النووي، بيد أن الباحث في العلاقات الدولية، حسن بهشتي بور، يعتقد أن “الجولة الجديدة بدأت من حيث ما جُمّدت مباحثاتهما عام 2022”.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى بهشتي بور أن المباحثات الجارية تفتقر إلى خارطة طريق لحل القضايا العالقة بين طهران والترويكا الأوروبية، مستدركا أن من شأنها التحول إلى مفاوضات إن حصل تقدم حول أجندة وهموم الجانبين في الاجتماعات المقبلة.
وأشار إلى أن طهران ترغب من خلال مباحثاتها مع الترويكا الأوروبية بوضع حد للأزمة النووية ومنع تفعيل آلية الزناد قبل يوم النهاية في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، موضحا أن الجانب الأوروبي يحمل في جعبته ملفات عديدة بشأن التطورات الإقليمية والدولية وأن الملف النووي الإيراني لا يمثل سوى أحد هواجسه.
واستدرك الباحث الإيراني، أن الأوروبيين لا يريدون التفريط بفرصة عودة الإصلاحيين إلى السلطة في إيران وعزمهم المعلن لحلحلة القضايا الشائكة على طاولة المفاوضات، وذلك رغم أنهم قد شرعوا بالعمل على تفعيل آلية الزناد خلال الفترة المقبلة.
وخلص إلى أن نتائج المباحثات الإيرانية الأوروبية حتى قبيل عودة ترامب إلى البيت الأبيض سوف تؤثر على طبيعة السياسات الأوروبية حيال إيران من جهة، وإمكانية مواكبتها سياسات الإدارة الجمهورية من عدمها، من جهة أخرى.
تناقض الأولويات
من جانبه يرى علي بيكدلي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، أن الجولة الأولى من المباحثات الإيرانية الأوروبية لم تلبّ الطموحات والآمال المعقودة لحل القضية النووية؛ لأن الجانب الأوروبي طرح موضوع دعم طهران العسكري لروسيا في حربها على أوكرانيا، وكذلك قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، بما يزحزح الملف النووي من صدارة أولويات المباحثات.
ويلمس الباحث الإيراني تناقضا في أولويات وهواجس الجانبين الإيراني والأوروبي في مباحثات جنيف، موضحا، للجزيرة نت، أنه لم يكن يتوقع حلحلة القضايا العالقة بين الجانبين في اجتماعهما الأول، لكنه لم يكن يتوقع بلوغ الشرخ في توجهاتهما ذروته، بعد فتور خيّم على علاقات طهران والعواصم الأوروبية خلال السنوات القليلة الماضية.
وحذر الأكاديمي الإيراني، من اتخاذ السياسة الأوروبية منحى تصاعديا لتفعيل آلية الزناد مع حلول شهر مارس/آذار المقبل حيث ستقدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا شاملا بشأن برنامج طهران النووي، وحث بلاده على إظهار أكبر قدر من المرونة في سبيل حلحلة القضايا الشائكة بينها والجانب الأوروبي قبيل بدء رئاسة ترامب.
وختم بيكدلي بالقول إنه لابد من استغلال إيران فرصة الحوار مع أوروبا لاحتواء التوتر المتفاقم بينهما، موضحا أن العقوبات الأخيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على شركة الشحن الوطنية والخطوط الجوية الإيرانية قد تسببت بمشكلات كبيرة للمواطن الإيراني.
يأتي ذلك، بعد يوم من تحذير وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في مقابلة نشرتها صحيفة “غارديان” البريطانية الخميس الماضي، من أن بلاده قد تتزود بالسلاح النووي إذا أعاد الأوروبيون فرض عقوبات عليها.
مفتاح الحل
وفي السياق، يقرأ أستاذ الجغرافيا السياسية، عطا تقوي أصل، هذا التحذير في سياق مساعي طهران لاستثمار التطور الذي حققته في برنامجها النووي إثر الانسحاب الأميركي عام 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة، واصفا هذه الإنجازات النووية بأنها “سلاح ذو حدين” قد تحوّل إيران إلى كوريا شمالية ثانية في الشرق الأوسط، وتبرر للأطراف الأخرى في الاتفاق النووي التحرك لتفعيل آلية الزناد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد تقوي أصل، أن تجربة إيران الطويلة مع المفاوضات النووية تثبت بشكل واضح أنه لا يمكن حل هذه المشكلة من دون التفاوض بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة، مستدركا أن التفاوض مع الجانب الأوروبي مرحب به من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية.
ورأى، أن الطريق الأساس لرفع العقوبات وتذليل العقبات في العلاقات المتوترة بين إيران والقوى الغربية يمر عبر خفض التوتر بين طهران وواشنطن، مضيفا أنه يمكن النظر إلى تجربة الاتفاق النووي أنها نجحت إثر قرار كل من الرئيسين الأسبقين الإيراني حسن روحاني ونظيره الأميركي باراك أوباما وضع حد للمشكلة.
وتابع، أنه من شأن عودة الرئيس الأميركي المنتخب إلى البيت الأبيض نسف كل ما سيتوصل إليه الجانبان الإيراني والأوروبي حتى 20 يناير/كانون الثاني المقبل، مشددا على ضرورة التركيز في مباحثات إيران مع الترويكا الأوروبية على القضايا الثنائية حتى اتضاح سياسة ترامب حيال ملف طهران النووي.
ولدى إشارته إلى أن إسرائيل وحلفاءها الغربيين يعملون على تقويض قدرات حلفاء إيران في المنطقة، يعتقد المتحدث نفسه أن التطورات الإقليمية تتخذ منحى أكثر تعقيدا بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، مما يحتم على إيران أن تأخذ تهديدات تل أبيب بضرب منشآت طهران النووية على محمل الجد.
وخلص تقوي أصل، إلى أن حكومة الرئيس مسعود بزشكيان أوكلت مهمة التفاوض مع الجانب الأوروبي إلى الوفد الذي أنجز الاتفاق النووي عام 2015، وحث وفد بلاده المفاوض على الاستفادة من التجربة السابقة لتذليل العقبات والعبور بإنجازات البلاد إلى بر الآن من خلال حل القضايا الشائكة مع الولايات المتحدة.