Login النشرة البريدية

طهران- بعد أن أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أخيرا، في مؤتمره الصحفي الأول عقب فوزه بالرئاسة، رفع الإقامة الجبرية عن السياسي مهدي كروبي، وتأكد أنه يتابع ويسعى لرفع الإقامة الجبرية عن رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد أيضا، تتجدد التساؤلات عن مستقبل هذه القيود ومدى تأثيرها على المشهد السياسي في إيران.

وعندما سأل صحفي في صحيفة محافظة متشددة الرئيس بزشكيان عن سبب ضمه إلى حكومته أشخاصا داعمين لكروبي وموسوي ووصفهم أنهم “زعماء الفتنة”، رد بزشكيان قائلا “إنك تسمي ما حدث عام 2009 بالفتنة، لكن هذا ليس بالضرورة صحيحا، فهناك من لا يراه فتنة”.

وكانت السلطات الإيرانية قد فرضت الإقامة الجبرية عليهم منذ عام 2011 من دون محاكمة رسمية أو إعلان واضح للأسباب القانونية، وذلك بعد اعتراض المرشحين آنذاك للانتخابات الرئاسية على النتيجة التي أدت إلى فوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، لتندلع احتجاجات بعد أن رأت المعارضة أن الانتخابات كانت غير نزيهة.

وتأتي هذه التصريحات في وقت حرج تشهد فيه إيران ضغوطا داخلية وخارجية، تتعلق بحقوق الإنسان والإصلاحات السياسية، بينما يُنظر إلى رفع الإقامة الجبرية عن كروبي كخطوة نحو تصحيح مسار العلاقة بين السلطة والمعارضة، وتحمل إشارات إلى إمكانية حدوث تغييرات أكبر في المستقبل القريب.

بزشكيان أعلن في أول مؤتمر صحفي له بعد تولّيه الرئاسة رفع الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي (رويترز)

إستراتيجية جديدة

اعتبرت الإقامة الجبرية جزءا من الإجراءات القمعية ضد قادة “الحركة الخضراء” الذين قادوا انتفاضة تطالب بإصلاحات سياسية وحريات مدنية، وأطلقت عليهم السلطات في إيران اسم “زعماء الفتنة” وسمّت احتجاجاتهم “بحركة الفتنة”.

وتعرّض كروبي وموسوي لاحقا لعزلة سياسية واجتماعية خلال الإقامة الجبرية، فقد منعتهم السلطات من التواصل مع الرأي العام ووسائل الإعلام. لكن بمرور الوقت، تصاعدت الدعوات المحلية والدولية لإنهاء هذا الإجراء، معتبرة أنه ينتهك حقوق الإنسان الأساسية، لكن الحديث عن هذه القضية في الشارع الإيراني يعدّ أمرا ذا طابع أمني مرتفع.

وتعد قضية الإقامة الجبرية للشخصيات الثلاث من أكثر القضايا إثارة للجدل والخلافات العميقة بين التيارين المحافظ والإصلاحي في إيران، حيث يعد الإصلاحيون موسوي وكروبي زعماء لتيارهم وأبطالا في مجال حقوق الإنسان، ويدعون لرفع الإقامة الجبرية عنهم، بينما يواصل المقربون من السلطات الإيرانية وتحديدا من ينتمي للتيار المحافظ تأييدهم لاستمرار الإقامة الجبرية بحقهم.

ويُعرف الرئيس الإيراني بزشكيان بمواقفه المناهضة لفرض الإقامة الجبرية على كروبي وموسوي ورهنورد، وطالب في مرات عديدة عندما كان نائبا في البرلمان في السنوات الماضية برفع الإقامة الجبرية عنهم.

وتمثل رفع الإقامة الجبرية عن كروبي -إذا ما نُفّذت- مؤشرا على تغييرات محتملة في النهج السياسي للحكومة الإيرانية الجديدة، ومن المحتمل أن يؤثر هذا القرار على المشهد السياسي الداخلي، وقد يسهم في تهدئة التوترات مع المعارضة.

ويُنتظر أن تترتب على هذه الخطوة نتائج تتعلق بالحريات السياسية والاجتماعية في إيران، بالإضافة إلى تأثيراتها المحتملة على العلاقات الخارجية للبلاد، كما يُعد قرار رفع الإقامة الجبرية عن كروبي ومحاولة التعامل مع وضع موسوي علامة بارزة في سياق التطورات السياسية في إيران، ويعكس تغيرا في الإستراتيجية الحكومية تجاه قضايا المعارضة وحقوق الإنسان.

صورة-حديثة-جدا-لمهدي-كروبي-في-الإقامة-الجبرية-في-منزله-(الجزيرة)
كروبي اشترط أن يكون رفع الإقامة الجبرية مقرونا برفعها عن موسوي وزوجته رهنورد (الجزيرة)

الإقامة الجبرية مستمرة

رأى حسين نجل مهدي كروبي أن “الرئيس أراد أن يقول إنه يحاول حل قضية السجناء من خلال المحادثات مع المسؤولين في البلاد، وقد نجح إلى حد ما”، لكنه أكد -في حديثه للجزيرة نت- أنه حتى الآن لم يطرأ أي تغيير على الإقامة الجبرية المفروضة على مهدي كروبي.

وأوضح أن قوات الأمن تسكن في شقة مجاورة لشقة والده في مجمع سكني، وتراقب كل تحركات العائلة، وذكر أنه سُمح منذ 6 سنوات للعائلة -بمن في ذلك الأبناء وأسرهم- بالزيارة متى أرادوا، ولم يعد هناك تفتيش لمتعلقاتهم.

وتحدث حسين أنه في السنوات الثلاث الأولى، كان والده يعيش بمفرده في منزل تابع لقوى الأمن، وكان الإذن بزيارته في ذلك الوقت محدودا، وقال “حتى إنني كان يُسمح لي بزيارته مرة أو مرتين في السنة فقط، وكان ذلك صعبا جدا، لأنه كان يعيش بمفرده، وفي نهاية السنوات الثلاث الأولى كان عمره 76 عاما”.

كما كشف أنه بعد مرور عام على حكم الرئيس الأسبق حسن روحاني، نقل كروبي إلى منزله في جماران، وتمركزت قوى الأمن في الطابق الأول من المبنى، ثم سمح لزوجته منذ عام 2012 تقريبا أن تسكن معه، وبات مسموحا لأفراد الأسرة زيارته مرة واحدة في الأسبوع لعدة ساعات، ولم يعد هناك تفتيش، وأصبح بإمكانهم أخذ أي نوع من الكتب والمجلات.

وعن ظروف رفع الإقامة الجبرية، كشف نجل كروبي أنه قبل أقل من 3 أسابيع، اتصل رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي بوالدته، وطلب عقد اجتماع لرفع الإقامة الجبرية عن والده، وقال “ذهبت مع والدتي، والتقينا رئيس السلطة القضائية لمدة ساعتين ونصف وتحدثنا بالتفصيل”.

وأضاف أن والده اشترط أن يكون رفع الإقامة الجبرية مقرونا برفعها عن موسوي وزوجته أيضا، باعتبار أنهم خضعوا معا للإقامة الجبرية وللسبب نفسه، ويجب أن تكون نهايتها لهم جميعا، على حد وصفه.

وتابع أنهم أخبروا رئيس السلطة القضائية أن والدهم تحت الإقامة الجبرية منذ ما يقرب من 13عاما “خلافا للقانون والأخلاق ومن دون محكمة، ولا ينبغي للحكومة أن تتوقع منه أن يلتزم الصمت بعد رفع الإقامة الجبرية عنه، وأنها قد تزعجها آراؤه في الأحداث التي وقعت وطريقة إدارة البلاد وأحوال الناس، لذا يجب أن تكون الحكومة مستعدة لذلك وقادرة على التسامح مع آرائه وتحملها”.

احتجاجات أنصار المعارضة الإيرانية على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 (رويترز)

تأييد التيار المحافظ

يقول الباحث السياسي المحافظ علي رضا تقوي نيا للجزيرة نت إنه “لا ينبغي أن نظن أن النظام غيّر موقفه تجاه زعماء الفتنة، بل كل ما يحدث الآن هو أن كروبي لم يقم بإثارة فتنة جديدة ولن يواكب مراد الأعداء، لذلك تقلصت القيود تجاهه، بينما موسوي ما زال يقوم بأعمال تنافي القانون”.

ويضيف أنه في حال تأكدت الجمهورية الإسلامية أن موسوي لن يقوم بأعمال تنافي القانون، ولن يدعو المواطنين لأعمال شغب أو يخلق فتنة من جديد، سترفع الإقامة الجبرية عنه.

كما قال الباحث السياسي الإصلاحي مصطفى فقيهي إن “بزشكيان أعلن موقفه مما يدعى الفتنة في عام 2009 نفسه في البرلمان، وهذا لا يخفى على أحد، فقد أعلن أنه لا يؤمن بالفتنة من جانب موسوي وكروبي، بل يرى أن الطرف الآخر والحكومة في ذلك الوقت هما سبب الفتنة”.

ويضيف فقيهي -في حديثه للجزيرة نت- أنه في عام 2010 أعلن بزشكيان رغبته في رفع الإقامة الجبرية، متابعا أنه بسبب علاقات الرئيس الجيدة مع السلطات الأخرى، فإن إمكانية رفع الإقامة الجبرية في عهده أعلى بكثير، وأضاف أنه “يمكن تقييم رفع القيود في هذه الفترة بأنه علامة على أن الحكومة قد تغلبت على القضايا المثيرة للجدل”.

وأردف أن الحكومة ربما توصلت إلى نتيجة مفادها أن الحركة الخضراء، أو الهيئة الداعمة لموسوي وكروبي، وبعد 15 عاما، لديها اهتمامات مختلفة تماما وتخطّت بشكل أساسي مطالبها التي كانت في عام 2009، ولذلك تفضل الحكومة أيضا التعامل مع “قضية الفتنة” بسلام وصمت تام.

شاركها.
Exit mobile version