من المتوقّع أن تُبرم “اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة” بين روسيا وإيران خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى روسيا في 17 يناير/كانون الثاني 2025، وهي ذات الاتفاقية التي كان مقررًا توقيعها منذ عام 2017، ولكنها لم تأتِ إلا بعد الانسحاب المفاجئ للدولتين من سوريا، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى البحث في دوافع تفعيل الفكرة في هذا التوقيت.
من منظور تاريخي، من الممكن القول إن العلاقة بين إيران وروسيا تتسم بالتقلب، حيث يمكن وصفهما غالبًا بأنهما منافسان أكثر من كونهما شريكين. ورغم أن هذه المنافسة التاريخية ما زالت تظهر في مجالات مختلفة، مثل الساحة السورية، فإن العقوبات الاقتصادية والتحركات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة والغرب ضد روسيا وإيران، دفعت موسكو وطهران إلى اتباع سياسة “التعاون القوي والمنافسة المنخفضة”.
بدأ التقارب بين روسيا وإيران بعد الثورة الإسلامية الإيرانية في ظل سياقات الحرب الباردة، وتحول التقارب إلى شراكة إستراتيجية خلال الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق وأثناء الحرب الأهلية السورية.
ومع ذلك، شهدت السنوات السابقة العديد من الأحداث التي أضعفت الثقة المتبادلة بين البلدين. لذلك لم يكن غريبًا أن يثير توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة، انقسامًا في الأوساط السياسية والشعبية في إيران.
تتألف هذه الاتفاقية من 47 مادة، تغطي مختلف القطاعات؛ من الاقتصاد إلى العلاقات السياسية، والعلاقات بين الحكومات، وكيفية التصرف في المؤسسات الدولية، والتعاون الاقتصادي، وتنفيذ المشاريع، والتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف.
بالإضافة إلى التجارة الدولية والتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا وأمن المعلومات والأمن السيبراني، والطاقة النووية السلمية، وكذلك التعاون في قضايا الدفاع والقضايا العسكرية ومكافحة الإرهاب، وقضايا البيئة وبحر قزوين، ومكافحة غسل الأموال والجريمة المنظمة، ومن المتوقع أن تشكل الاتفاقية أساس العلاقات بين روسيا وطهران خلال الفترة القادمة.
وكان وزيرا خارجية روسيا وإيران قد اتفقا على أن تعد إيران المسوّدة الأولية للاتفاقية لتبدأ بعدها المفاوضات حول النص.
ولكن هذا الاتفاق ليس الأول من نوعه، فالبلدان وقعا في عام 2001، اتفاقية تعاون شاملة حُددت مدة سريانها بـ 20 عامًا، وانتهت صلاحيتها في عام 2021، وكانت بنود تلك الاتفاقية تنص على أنه إذا لم يوقع الطرفان اتفاقية جديدة قبل انتهاء مدة سريانها، تُمد الاتفاقية تلقائيًا خمس سنوات. ونظرًا لعدم تجديد الاتفاقية قبل عام 2021، فقد أصبحت سارية تلقائيًا حتى عام 2026.
وفي مارس/آذار 2017، عقد الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، اجتماعًا مطولًا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقع الزعيمان خلاله 14 اتفاقية شملت مجالات التجارة والعلم والتكنولوجيا.
ومع انتهاء مدة اتفاقية التعاون الشامل في عام 2021، زار رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف روسيا، مصرحًا قبل بدء الزيارة أنه يحمل رسالة من قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغب في توصيلها له شخصيًا، مشددًا على “الطبيعة الإستراتيجية للعلاقات بين إيران وروسيا”.
ولكن بسبب شروط الحجر الصحي لمدة 15 يومًا التي فرضتها جائحة كورونا للقاء الرئيس الروسي بوتين، اضطر قاليباف إلى تسليم الرسالة إلى بوتين عبر رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين. وتضمنت تلك الرسالة ثلاثة مواضيع رئيسية؛ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، والعلاقات الاقتصادية، وإقامة علاقات إستراتيجية مع روسيا.
ولذلك كله، يمكن اعتبار اتفاقية “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”، التي من المتوقع أن يوقعها بوتين وبزشكيان، نسخة موسعة ومعززة من اتفاقية التعاون الشامل الموقعة عام 2001.
ولكن على الرغم من التوقيع المحتمل لاتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الدولتين، فإن إيران تواجه أزمة ثقة جدية تجاه موسكو. وتعود أبرز أزمات الثقة بين إيران وروسيا إلى عام 2015 عندما تدخلت روسيا بشكل نشط في سوريا. فبعد أن لعبت روسيا دورًا فعالًا في الميدان السوري، أخرجت إيران وحزب الله من بعض القواعد العسكرية التي كانا يستخدمانها، مما عمّق مخاوف إيران وزعزع ثقتها بروسيا.
وكذلك، خلال المفاوضات النووية التي أجرتها إيران مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا لرفع العقوبات عنها، تبنت موسكو موقفًا معرقلًا للاتفاق، مما عزز شكوك إيران تجاه روسيا.
وأخيرًا، خلال العملية التي أطلقتها المعارضة السورية وأسفرت عن الإطاحة بنظام بشار الأسد، كان موقف روسيا صادمًا بالنسبة لإيران. وبعد أسبوعين من سقوط نظام البعث، اتهم الجنرال بهروز أسباطي – وهو أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وآخر مسؤول عسكري إيراني يغادر سوريا – روسيا بـ “الخيانة” خلال اجتماع في طهران قائلًا: “تعرضنا لهزيمة مروعة في سوريا.. روسيا خدعت الأسد وخانت إيران”.
وزعم أيضًا أن روسيا دعمت إسرائيل ضد إيران من خلال إغلاق جميع أنظمة الرادار، مما سمح لإسرائيل بضرب مقر استخبارات القوات الإيرانية في سوريا، المعروف باسم “شهيد صادق”.
ولذلك، يمكن القول إن سياسة روسيا خلال العملية التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد أثارت صدمات ونقاشات عميقة في أوساط الحكومة والشعب الإيراني، وكذلك داخل هياكل موالية لإيران مثل حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي، حيث حملوا روسيا المسؤولية عن إنهاء وجود إيران وحزب الله المستمر في سوريا منذ 14 عامًا خلال 12 يومًا فقط. وعمق تغيير النظام في سوريا النقاشات داخل الأوساط الثورية الإيرانية حول العلاقة مع روسيا.
وفي هذا السياق، يُشار إلى أن السياسيين الإصلاحيين ينظرون إلى روسيا والصين بعين الشك، ويعتبرونهما شريكين غير موثوق بهما، في حين يعتبرهما المحافظون حليفين إستراتيجيين. وهذا الاختلاف في النهج تجاه روسيا والصين مستمر منذ سنوات عديدة. ومع ذلك، يبدو أن التطورات الأخيرة في سوريا أثرت على رؤية السياسيين والمسؤولين المحافظين لروسيا.
وربما يكون توقيع الاتفاقية بعد التطورات في سوريا، وخاصة بعد انسحاب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وألوية “فاطميون” و”زينبيون” المدعومة من إيران، يهدف إلى تخفيف النقاشات وحالة الإحباط داخل محور المقاومة. وفي المقابل، يرى آخرون أن الاتفاقية، التي ستُوقع قبل 3 أيام من تولي ترامب منصبه، تعد رسالة موجهة من روسيا وإيران إلى ترامب.
وأيًا ما كان الدافع الأكبر وراء توقيع هذه الاتفاقية، فإنها ستواجه صعوبات في التنفيذ؛ بسبب تلك المخاوف العميقة وأزمة الثقة التي تعتري العلاقة بين البلدين، بالإضافة إلى الانقسامات داخل الحكومة والرأي العام الإيراني بشأن هذه العلاقة. ويمكن القول إن تنفيذ الاتفاقية بشكل فعال، خاصة في مجالات التعاون العسكري والتكنولوجيا والطاقة النووية، سيكون احتمالًا ضعيفًا على الصعيدين؛ الإقليمي، والعالمي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.