Login النشرة البريدية

رام الله- بالتزامن بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل عام، تشير إفادات أسرى من الضفة مفرج عنهم، وتقارير مؤسسات حقوقية، إلى أوضاع هي الأسوأ على الإطلاق، غلب عليها التعذيب والتجويع والإهمال الطبي.

ووفق أسير أفرج عنه منذ أيام فإن حدة التعذيب لأسرى الضفة تراجعت قليلا الشهور الأخيرة، مقارنة مع ما كان عليه الوضع الشهور الأولى للحرب، لكنها تجددت منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في الذكرى السنوية لبدء الحرب، وبشكل لا يقل قساوة عن بداياتها، مع استمرار التجويع والإهمال الطبي.

ورغم قلة الحيلة فإن الأسرى لم يعدموا الوسيلة لمواجهة تلك الظروف ومحاولة التغلب عليها وحتى التعايش معها، وفق ما أوضحه اثنان منهم أفرج عنهما مؤخرا وتحدثا للجزيرة نت.

النطاح: تعرضنا لجولات ضرب شديدة تخللها إطلاق الرصاص يومي 1 و7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري (الجزيرة)

حفلات التعذيب تعود

الأسير عمر النطاح، وهو من بلدة إذنا غربي الخليل، أفرج عنه هذا الأسبوع بعد قضائه عاما كاملا في الاعتقال، أمضى غالبيتها في سجن النقب الصحراوي جنوبي إسرائيل.

يقول المواطن إن الضرب والتعذيب بدأ الساعة الأولى للاعتقال واستمر حتى الإفراج عنه مع تفاوت في طبيعته ومدته، واصفا ظروف السنة الأخيرة بأنها الأسوأ من بين 11 سنة أمضاها متفرقة في السجون.

ووفق آخر “جولات التعذيب” يصفها النطاح بأنها كانت يومي 1 و7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري حيث انهالت وحدات القمع بالضرب الشديد على الأسرى في غرفهم “لدرجة إطلاق الرصاص المطاطي على أسرى مقيدين وإصابتهم”.

أما عن أبرز أشكال التعذيب التي تعرض لها في مراكز التوقيف أيام الاعتقال الأولى، فيذكر “تعصيب العينين مع تقييد الأيدي إلى الخلف وتقييد القدمين، ثم ربط قيود اليدين والقدمين معا وإلقاء المعتقلين أرضا بحيث تكون بطونهم ووجوههم باتجاه الأرض، وإحاطتهم بالجنود ثم البدء بالضرب ركلا وبالهراوات واللكمات على الوجه وكل أنحاء الجسد بلا استثناء، على وقع ألفاظ نابية وماسة بالكرامة تتكرر في كل جولات التعذيب”.

وعند الانتقال إلى سجن النقب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، يذكر المواطن الفلسطيني المفرج عنه أن ضابطا -يعرفه باعتقالات سابقة- استقبله بإزالة عصبة العينين، وطلب منه أن يقرأ لافتة مثبتة على الحائط كتب عليها: أهلا وسهلا بكم في جهنم.

وكانت بداية جهنم -وفق النطاح- إجبار الأسرى واحدا تلوى الآخر على المشي إلى الوراء وهم مقيدون ومعصوبو الأعين باتجاه درج، ويتم إلقاؤهم إلى أسفله “ثم سلمونا لوحدة الكيتر القمعية وأدخلونا زنزانة وهناك بدأت رحلة تعذيبنا وكنا 53 أسيرا”.

انفوغراف أبرز أشكال تعذيب الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الجزيرة

نتف اللحى

“كنا بين 5 و6 أسرى ملتحين، نتفوا لحلانا كاملة وهم يقولون: حماس داعش، مع ضرب على الوجه حتى أغمي عليّ، ولما استيقظت وجدت نفسي عريانا بالكامل، وأجبروني على الخضوع للتفتيش مع التصوير والضرب”.

وتابع الأسير المحرر أن “كافة الأسرى أصيبوا بإصابات بالغة وبعضهم أغمي عليه عدة أسابيع وفقد الذاكرة، وآخرون تغيرت معالم وجوههم، دون أن يقدم لهم أي علاج، وأحدهم تعرض لضربة قوية على الأنف واستمروا في تعذيبه رغم النزيف”.

ويقول النطاح إن الضرب مورس عدة مرات يوميا، مع استهداف واضح للركب والرأس والقفص الصدري والمناطق الحساسة، مستدركا أن العلاج الوحيد الذي كان يقدم لمن يتجرأ ويطلبه هو نصف حبة مسكن الأكامول لكافة الأمراض والأوجاع وتعطى مع وجبة من الضرب.

وكشف محدثنا عن إصابة نحو 80% من الأسرى بمرض “سكابيوس” الجلدي لانعدام المياه ومواد التنظيف، مشيرا إلى أن المياه -ولعدة شهور- كانت تتوفر ساعة واحدة في اليوم والليلة، وأن على الأسرى أن يتدبروا احتياجاتهم من شرب ووضوء واغتسال وقضاء الحاجة وغيرها.

وأما الطعام، فقال إن الأسرى “لم يشبعوا قط طوال العام الماضي، وما يحصل عليه 11 أسيرا طوال اليوم لا يشبع طفلا”.

كيف يواجه الأسرى كل ما سبق؟

للتغلب على نقص الماء -يقول الأسير النطاح- كان يسمح لنا بحفظها في 3 قارورات سعة كل منها لتر ونصف اللتر لاستخدامها في الـ23 ساعة التي تنقطع فيها المياه، وفي حال أصبحت أربعا يعاقب الأسرى بالضرب والتعذيب.

أما للتغلب على الجوع، فيقول إن الصيام كان خيار غالبية الأسرى حيث يجمعون الوجبات الثلاث في وجبة واحدة تسد بعض جوعهم، موضحا أنه مع تحسين الطعام مؤخرا فإنه ما زال قليلا “وأغلبه 50 غراما من اللبنة، ملعقة مربى، 200 غرام من الخبز، كأس من الأرز غير الناضج يوميا”.

وتحدث عن نقص في الأوزان لا تقل عن النصف لأغلب الأسرى، مشيرا إلى أن وزنه تراجع من 100 إلى 60 كيلوغراما.

من جهته، تحدث (هـ د) الذي أفرج عنه قبل أسابيع عن كيفية مواجهة الأسرى لظروف السجن، موضحا أنه رغم الضرب وصراخ الأسرى خلال التعذيب، كانت معنوياتهم عالية.

وأضاف “لا يمكن اتقاء الضرب، فمثلا عند اقتحام الغرف تنتظر كل غرفة دورها بفزع، حيث يجبر كل أسير على وضع يديه فوق رأسه ووجهه باتجاه الحائط، فلا يعرف من أين سيأتيه الضرب، وبعد انتهاء الضرب ومغادرة السجانين يجد الأسرى أنفسهم يضحكون ويرفهون عن أنفسهم بالأناشيد”.

ولعل أهم سلاح لمواجهة ظروف الاعتقال -حسب الأسير المحرر- هو المعنويات العالية “فالأسرى يؤمنون بعدالة قضيتهم وأنهم أسرى حرية، فضلا عن وجود أمل بعقد صفقة تقود للإفراج عنهم جميعا” مؤكدا “كنا نحافظ على قراءة القرآن الكريم مما نحفظه، وأذكار الصباح والمساء، كنا نشعر بمعية الله كل لحظة”.

آثار إصابة أحد الأسرى بمرض “سكابيوس” رغم مضي أسابيع على تحرره (الجزيرة)

مواجهة الجوع

أما عن مواجهة الإهمال الطبي وانتشار مرض الجدري، وكان محدثنا أحدهم، فقال إن الأسرى حاولوا اتخاذ إجراءات وقائية منها تجنب ملامسة المصاب قدر الإمكان، وتقسيم وقت استخدام صنابير المياه والمراحيض بين الأسرى المصابين وغير المصابين، استعمال ما يتوفر من محارم كعوازل عند استخدام أدوات مشتركة، وأن يتولى الأسرى المصابون توزيع الطعام على بعضهم البعض.

وأشار إلى أن المرض الجلدي وانتشار الدمامل بلغ منه حدا لم يتمكن معه من القدرة على الحركة، لدرجة أن أحد رفاقه كان يساعده في الحركة ويناوله الطعام.

أما عن مواجهة الجوع، فيقول إنه وكثيرين كانوا يصومون أغلب الأيام، ويجمعون الوجبات الثلاث في وجبة واحدة غير مشبعة هي ذاتها الإفطار والسحور.

ويضيف أنه -أحيانا- كان يجمع طعام 5 أيام لكي يحصل على وجبة واحدة مشبعة، فكان يخلط كل أصناف الطعام معا بالخبز المتوفر ويضيف لها الماء ثم يتناول عصارتها، ويعيد الكرة أكثر من مرة، وهكذا تكون المعدة امتلأت ماء ثم يتناول ما تبقى من طعام، لكنه صدم ذات مرة بفساد الطعام.

أما عن تقدير الأسرى للوقت وخاصة أوقات الأذان، فقال إنه كان وفق الاجتهاد الذي كان يخطئ في أغلب الأحيان.

وبقي أن نشير إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت من الضفة الغربية -بما فيها القدس- نحو 11 ألفا و300 فلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، وفق بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطينيين، في وقت لا تتوفر فيه معطيات عن أسرى غزة والمقدر بالآلاف.

شاركها.
Exit mobile version