في العام 1979، اختارت الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والذي يتزامن مع قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين الصادر العام 1947.
ويشهد هذا اليوم تنظيم مؤتمرات وخروج مظاهرات وإصدار بيانات مطالبة بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة والتنفيذ التام للقرارات الدولية.
من يساعد من؟
وفي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، تواصلت الجزيرة نت مع عدد من الفلسطينيين، من قطاع غزة، داخل القطاع وخارجه، لتوجيه رسائلهم للمجتمع الدولي في يومه التضامني معهم.
وفي أول محاولة لاتصال هاتفي مع أحد المواطنين الفلسطينيين في القطاع، يعمل في الدفاع المدني، رن الهاتف لمرات عديدة بلا رد، أمر طبيعي في ظل أزمات الكهرباء وانقطاع الإنترنت في غزة، لم يأت رد كذلك على رسائل “الواتساب”، لكن بعد ساعة جاء الرد من رقم آخر “أن الشخص المطلوب على الرقم الأول قد استشهد منذ أيام”.
بثبات من لا ينتظر دعما ولا تهزه عزيمة أجاب الصوت الآتي من غزة “تحب أساعدك بشيء”، كان الأمر أكبر من القدرة على الاستيعاب، من يرغب في مساعدة من؟، وأي سؤال عن تضامن من الممكن أن يوجه لهؤلاء القابعين في الخيام الباردة؟ لكنه بالرغم من ذلك لم يفوت الفرصة لطلب أخير “أتمنى من المجتمع الدولي أنه يخلوني أشوف عيالي، وأقعد معاهم ببيت ولو على الحصير، لكن جدرانه تحميهم من صقيع الخيام.. بنطالب المجتمع الدولي يوقفوا الحرب ويتركونا نعيش..نعيش فقط”.
الصوت القادم من غزة، رفض ذكر اسمه، وقال إنه لم يعد يخشى الموت من هول ما رأى خلال العام الماضي، لكنه لا يريد أن يقضي أطفاله حياتهم في مثل ما يمرون به اليوم، أو ينتهي بهم الأمر لاجئين في بلاد بعيدة.
“التضامن الذي يريده الغزاوية ليس البيانات ولا المؤتمرات، نريد أن يتذكرنا العالم ونحن أحياء ليس من الضرورة أن نموت ليتذكرونا”.
“عامٌ كألف عام”
ومن العاصمة المصرية القاهرة، يقول طالب الماجستير فرج الغزاوي -الذي جاء إلى “أم الدنيا” لدراسة الإعلام بجامعة القاهرة قبل 5 سنوات-، إنه لا يعلم إن كان وجوده في القاهرة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خيرا أم شرا “فابتعادي عن غزة في ذلك اليوم كفل لي الحياة، لكنه أيضا تكفل بموتي كل يوم وأنا أتلهف لأي خبر عن أهلي الذين خرجوا من ديارهم نازحين مع كل موجة نزوح حتى استقروا اليوم في خيام دير البلح”.
مر العام الأخير على فرج في القاهرة، كألف عام، ما بين خوفه على أهله، وبين شقائه في الحياة دون توفر أدنى الاحتياجات التي كان -كطالب جامعي- يسعى أهله لتوفيرها له، لكنه وجد في تضامن المصريين معه ومع الفلسطينيين في مصر، ما يكفيه عن اليوم العالمي للتضامن الذي تحتفي به الأمم المتحدة كل عام.
يقول فرج، “قتلنا المجتمع الدولي بصمته مرتين، مرة حين قسمونا، ومرة حين صمتوا على الانتهاكات التي نواجهها على يد الصهاينة”.
التضامن الشعبي الذي وجده فرج في القاهرة، في كل مرة حين يعرف أحد أنه فلسطيني الجنسية أو من أهل غزة، لم يجده في أي مكان آخر بحسب وصفه “إذا كانت مصر أم الدنيا، فشعب مصر هو أبو الشعوب، فما وجدت إلا حفاوة وترحابا وكرما وشعورا يملؤهم بالتقصير معنا، فكل ما يقدمونه من مساعدات يرتقى لكونهم يحاربون معنا جنبا إلى جنب”.
“خلونا نعيش”
أما وئام (24 عاما) الزوجة والأم التي لجأت إلى القاهرة بأولادها، تاركة زوجها وراءها يستكمل عمله الصحفي في أتون الحرب الذي لا تعرف متى موعد انطفائه، فجاءت بدورها إلى العاصمة وهي لا تعلم شيئا فيها.
تقول إنها لاقت استقبالا طيبا وتلقت مساعدات لم تطلبها، كان احتضانها لأطفالها كل يوم وهم نائمون في سرير واحد يمنحها دفئا وطمأنينة لم تكن تدرك مدى صعوبتها إذا لم تكن الأقدار رحيمة بها واستمرت في مواجهة الحرب والفقد في غزة.
في يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، لا تطلب وئام الكثير، هي فقط تريد أن يلتئم شملها بمن تبقى من أسرتها، وأن يستطيع زوجها القدوم إلى مصر، أو تنتهي الحرب ويجتمعوا جميعا في بيتهم من جديد.