Login النشرة البريدية

تتصدر صفقة الطائرات المقاتلة “رافال” زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى صربيا، 29 أغسطس/آب الماضي، إذ ينظر لها كمتنفس لرجل الإليزيه وكدفعة مهمة للصناعة العسكرية في فرنسا بعد عامين من انهيار صفقة الغواصات مع أستراليا.

وتكتسب الزيارة أهمية بالغة على الرغم من التوقيت السياسي المشحون في باريس مع استمرار المشاورات الصعبة بشأن التوافق حول رئيس وزراء جديد وتكوين حكومة ائتلافية.

وقال قصر الإليزيه إن الزيارة إلى صربيا تهدف إلى “تعميق العلاقات والتعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والصحة والطاقة والثقافة”، لكن أبعد من ذلك تضع بلغراد نصب عينيها استكمال صفقة شراء 12 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” بهدف تجديد سلاحها الجوي المكون أساسا من مقاتلات الميغ التي تعود إلى الحقبة السوفياتية.

وقد صرح الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بأن الحكومة تعمل منذ فترة على الانتهاء من العقد، في سبيل تجديد الطائرات الاعتراضية والمقاتلة وإعداد الجيش.

الإليزيه: زيارة ماكرون تهدف إلى تعميق العلاقات والتعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والصحة والطاقة والثقافة (الفرنسية)

صفقة بـ3 مليارات يورو؟

وعلى مدار سنوات أبرمت صربيا سلسلة من صفقات الأسلحة مع الصين وروسيا ودول أوروبية، منذ إقرارها في العقد الماضي لزيادة في الموازنة العسكرية ضمن خططها لتجديد أسطولها العسكري المتقادم.

وليس واضحا القيمة الرسمية للعقد الجديد، ولكن في عام 2023 أشار الرئيس فوتشيتش إلى أن صربيا مستعدة لدفع 3 مليارات يورو مقابل شراء الطائرات المقاتلة. وقبل زيارة ماكرون، قال فوتشيتش في مقابلة مع وكالة فرانس برس “إنه عقد ضخم لبلدنا وليس عقدا صغيرا حتى بالنسبة لفرنسا”.

لكن بخلاف القيمة المالية، تثير الصفقة نقاشات في فرنسا بشأن الجوانب الجيوسياسية والتاريخية في المنطقة والمرتبطة بروسيا والحرب الدائرة في أوكرانيا، وعلاقات موسكو ببلغراد، والتوترات القديمة بين صربيا وجيرانها.

ووصفت صحيفة “لوباريسيان” الصفقة بأنها “مثيرة ولكنها حساسة”، وقالت في تحليل على صفحاتها الداخلية إن “نظام بلغراد قريب من موسكو ويحافظ على موقف غامض بشأن الحرب في أوكرانيا. أليس هناك خطر من نقل التكنولوجيا العسكرية الفرنسية إلى روسيا، أو رؤية طائرات رافال تستخدم لتخويف كوسوفو المجاورة، التي لم تعترف بلغراد باستقلالها بعد؟”.

ونقلت الصحيفة بالفعل عن مستشار للرئيس الفرنسي تلميحات بشأن شروط فرنسية في بنود الصفقة “تحكم هذه الجوانب”، ومع ذلك أوضح المستشار أن “روح الشراكة الإستراتيجية مع صربيا يتمثل في ربطها بأقوى ما يمكن بالاتحاد الأوروبي”.

ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، قدمت صربيا تطمينات للاتحاد الأوروبي بشأن التزامها الحياد العسكري، لكنها أعلنت رفضها قطع العلاقات مع روسيا والانضمام إلى العقوبات الغربية ضد موسكو.

صربيا.. بوابة روسيا في أوروبا للهروب من العقوبات

مسار متعثر لعضوية الاتحاد

كانت بلغراد قدمت طلبا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول 2009، ومنحت صفة الدولة المرشحة في مارس/آذار 2012. ومن وقتها، تعمل صربيا على حشد المزيد من الدعم السياسي من الدول المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي، ومن بينها فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد.

وقد وضع هذا الملف على طاولة النقاش خلال زيارة الرئيس الصربي إلى باريس في أبريل/نيسان 2024. وصرح ماكرون حينها بأن مستقبل صربيا هو “داخل الاتحاد الأوروبي وليس في أي مكان آخر”.

وأبدت صربيا تعاونا لوقف التدفقات المنطلقة أو العابرة لأراضيها على طريق البلقان -كمحطة عبور رئيسية نحو دول الاتحاد الأوروبي- بإلغائها لتأشيرات دخول لمواطني بعض الدول وقطع الطريق على الرحلات النظامية التي تتوافد عليها بنية العبور لاحقا إلى وجهات رئيسية مثل ألمانيا وفرنسا.

وأظهرت بيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) أن أكبر التراجعات في عمليات عبور الحدود بشكل غير نظامي حتى شهر أغسطس/آب في 2024، كانت على طريق غرب البلقان بنسبة 75%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

أكبر التراجعات في عمليات عبور الحدود بشكل غير نظامي بالفترة الأخيرة كانت على طريق غرب البلقان بنسبة 75% (رويترز)

لكن مع ذلك تواجه الدولة البلقانية، وعلى عكس جيرانها شرق أوروبا، مسارا بطيئا في إنجاز الإصلاحات الضرورية فيما يتعلق بسيادة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية من أجل الاستجابة للمعايير الأوروبية، وهي من بين المسائل التي أثيرت مجددا في زيارة ماكرون إلى بلغراد، وفق ما ذكره الإليزيه.

وتحاول بلغراد أيضا تطبيع علاقاتها مع بريشتينا الساعية أيضا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، حيث تواجه الدولتان علاقات دبلوماسية صعبة منذ حصول كوسوفو على استقلالها عن صربيا عام 2008، وهو ما ترفض بلغراد الاعتراف به.

ومن شأن زيارة الرئيس الفرنسي أن تمنح دعما سياسيا لتحركات صربيا، ولكن باريس هذه المرة لن تخرج خالية الوفاض بعد الضربة القوية التي تلقتها بسبب إلغاء صفقة الغواصات مع أستراليا في 2022.

“رافال” رائدة الصناعة العسكرية في 2024

عززت مبيعات طائرات “رافال” عائدات الصناعة العسكرية الفرنسية لتصبح بذلك فرنسا في 2024 ثاني أكبر مصدر للأسلحة بعد روسيا، وفق تقارير متخصصة.

ومع إتمام الصفقة مع صربيا، ستصبح الدولة البلقانية ثالث دولة أوروبية تقتني طائرات “رافال” بعد اليونان في 2020، وكرواتيا في 2021. مع ذلك فإن بدايات التسويق التجاري للطائرة لم يكن بذات الصورة الوردية الحالية.

تم تطوير طائرات “رافال” كطائرة متعددة الأدوار في ثمانينات القرن الماضي، لكنها التحقت بالخدمة في سلاح الجو الفرنسي في عام 2006 لتعويض طائرات الميراج تدريجيا، وقبلها بعامين انضمت إلى الخدمة في البحرية الفرنسية.

وواجهت الطائرة صعوبات في تسويقها في البدايات بسبب كلفة الإنتاج العالية، حيث يقارب سعرها 70 مليون يورو، وأطلق عليها لقب “الطائرة غير القابلة للبيع”.

وأسهمت أيضا هيمنة الصناعة الأميركية المكثفة في إعاقة انطلاقة “رافال'”، بالإضافة إلى انتشار طائرات أقل تقدما تكنولوجيا، وبالتالي أقل كلفة في السوق العالمية، مثل طائرات “ميغ” وسوخوي” الروسية.

لكن “رافال” نجحت في أن تكسب سمعة جيدة بسبب أدائها في حرب أفغانستان ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

ماكرون (بالأمام) يمر أمام طائرة مقاتلة من طراز داسو رافال (الفرنسية)

ومهد ذلك لشركة “داسو” المصنعة لعقد عدة صفقات مهمة من بينها:

  • في 2015، أبرمت مصر صفقة مع الشركة من أجل تأمين 24 طائرة مقابل 5.2 مليارات يورو، ثم صفقة ثانية في 2021 لتأمين 30 طائرة مقابل 3.75 مليارات يورو.
  • في 2015 وقّعت قطر عقدا لشراء 24 طائرة، ثم 12 إضافية في عام 2017، بإجمالي 36 طائرة “رافال” مقابل 7.4 مليارات يورو.
  • في 2016 وقّعت الهند صفقة لشراء 36 طائرة بقيمة 8 مليارات يورو.
  • في 2020 اقتنت اليونان 18 طائرة في ظل التوتر المتجدد مع تركيا في البحر المتوسط. وبعد عامين أضافت 6 طائرات جديدة ليصل عدد طائرات “رافال” في الجيش اليوناني إلى 24.
  • في 2021 اشترت كرواتيا 12 طائرة “رافال” مستعملة.
  • في 2021 كان العقد الأكبر مع دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 16 مليار يورو مقابل شراء 80 طائرة “رافال”.
  • في 2022 وقّعت إندونيسيا عقدا بقيمة 8.1 مليارات يورو لشراء 42 طائرة.
“العاديات” أول طائرة رافال تستلمها قطر (الجزيرة)

وبالإضافة إلى صربيا، يجري العراق بدوره محادثات مع الشركة، وفق صحيفة لوبوان الفرنسية.

وفي المجموع تم بيع 285 طائرة “رافال” في الخارج، وتم تسليم بعضها بالفعل.

ويمتلك أركان سلاح الجو والفضاء الفرنسي والبحرية الفرنسية ما مجموعه 234 طائرة “رافال”.

ووفقا للوبوان، تغادر 3 طائرات “رافال” مجمع تركيب “ميرينياك” التابع لشركة “داسو” كل شهر، في حين يقوم حوالي 7 آلاف شخص منتشرين في 400 شركة بتزويد ما يقرب من 300 ألف قطعة غيار لطائرات “رافال”.

شاركها.
Exit mobile version