Login النشرة البريدية

محمد خير موسى

دمشق– رغم التعب والإنهاك الذي يرتسم على وجوههم، تعلو الضحكات اللطيفة الخارجة من أعماق قلوب أهالي دمشق، وكأنهم خرجوا من القبر ضاحكين..  

تأثير التحول الكبير الذي شهدته البلاد برحيل نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد جعل الدمشقيين كأنما يعيشون في حلم، فضلا عن رسائل الطمأنه التي تبثها القيادة الجديدة في نفوس الشعب السوري بكافة طوائفه وفئاته، والتي وجدت صداها يوم الأربعاء الماضي، حيث اتخذت قرارا بأن يكون يوم عطلة في سوريا احتفالا بأعياد الميلاد.

صعدنا جبل قاسيون صباحا، ولم يكن هناك موطئ قدم، حيث بدا الناس وكأنهم يتسابقون إلى هذه القمة التي حُرموا منها 14 عاما، تلك القمة التي كانت قبلة كل السوريين قبل الحرب تحولت بعدها إلى مسرح لمدافع النظام يقصف بها المدنيين الأبرياء في غوطة دمشق.

سوريون يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد (رويترز)

مهرجان كبير

كان الآلاف على قمة جبل قاسيون، مجموعة منهم ترقص حول مكبر صوت وتغني معه، وأخرى تدبك، وثالثة تطلق الأهازيج.. ترفرف أعلام الثورة السورية ليتحول اليوم إلى مهرجان كبير يعبّر فيه السوريون عن حريتهم وإنهاء عهد البطش والدكتاتورية.

في دمشق، يعد سائق سيارة الأجرة من أهم مقاييس استقاء الرأي العام السائد، وكذلك كان سائقنا أمجد الذي سألناه “كيف تلقيت خبر سقوط النظام؟”، فأجاب “لم أصدق طبعا، أنا أعرف هذا النظام، إنه لا يسقط بسهولة بل يرتكب المجازر، بعد 3 أيام، خرجت خائفا أترقب، وقد غمرتني الفرحة والطمأنينة عندما وجدت البلدة تعيش حياة طبيعية، بل شعرت أنني وُلدت من جديد”.

وفي يوم آخر، ركبنا مع سائق آخر يدعى رامي، قال إن ابنه طلب منه -بعد 3 أيام من سقوط النظام وهروب الأسد- أن نذهب لأصوره عند تمثال حافظ الأسد الذي حطمه الشعب، فقلت له “اصبر قليلا، أخشى أن يكون كل ما نعيشه مقلبا أو كاميرا خفية”.

ساحة المسجد الأموي تشهد تجماعات يومية (وكالة الأناضول)

بكاء الفرح

أما الملتاعون بالفقد، فلم تخلُ مشاعرهم من غصة، وبين هؤلاء أمجد الذي قال “أنا درزي من السويداء، كنت أتمنى أن يعيش والدي لحظة سقوط النظام، وقد بكيت طويلا لأنه كان يتمنى أن يرى قبر حافظ الأسد وهو يحترق، فلطالما سمعته يدعو عليه (الله يحرق قبرك) من شدة ما آذاه وعذبه في المعتقل”.

عودة الحياة إلى سوق الحميدية بالعاصمة دمشق (وكالة الأناضول)

وأكثر ما يمتنّ له أهل دمشق أن مدينتهم تحررت دون دماء، ولعل هذا من أهم ما ميّزها، إذ إن قوات إدارة العمليات العسكرية حرصت عند دخول المدينة “فاتحين رحماء بأهلها”.

ويشعر الدمشقي، كغيره من السوريين، كأنه وُلد من جديد بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، فربما تكون قد أنهكته سنوات الحرب، والبرد والجوع، لكن ما أهلكه فوق ذلك كله هو الظلم والقهر والخوف.

وحتى الآن يقول بعض الشباب إنهم ما زالوا يلتفتون عند الحديث ويخفضون أصواتهم “لأننا تعودنا على هذا على مدى عقود، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى نتحرر تماما من غول الخوف الذي سكننا نصف قرن”.

شاركها.
Exit mobile version