Login النشرة البريدية

قبل أن ينتهي شهرُ سبتمبر/ أيلول 2024، بأسبوع انتقل مركز الحرب من قطاع غزة إلى لبنان، ليس بمعنى انتهت الحرب في غزة، وإنما انتقل ثقل الحرب التي يشنها الجيش الصهيوني إلى لبنان.

فالحرب في غزة ما زالت على أشدّها. ويجب أن تعامل كذلك، مهما اشتدت الحرب في لبنان. بل يجب أن يبقى التصميم على حسم الحرب في مصلحة المقاومة في غزة، يحظى بالأولوية. وقد أصبحت إمكانات الانتصار أقوى، وأسرع، مع فتح جبهة لبنان من قِبَل الجيش الصهيوني، والذي سيتورط في حرب مع المقاومة، في لبنان، سوف تستنزف قواه، وتدخله في حرب لن تكون بالسهولة التي دخل فيها، بعد عملية البيجرات، الغادرة والخطيرة، والمفاجِئة والمكلفة.

إن الخسائر التي ألحقتها عملية البيجرات ثم اللاسلكي، ثم قصف اجتماع قادة الرضوان، وأخيرًا وليس آخرًا، ضرب حي من ثماني بنايات في قلب الضاحية، مستهدفًا حياة “سيد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله”.

هذه العمليات والضربات – وقد أدت ضربة البنايات الثماني إلى استشهاد السيد حسن نصر الله، القائد الفذ – تشكل بداية لحرب شاملة ضد المقاومة في لبنان، لأنها من جهة ستغري القيادة الصهيونية بمواصلة الحرب، حتى تحقيق إنجاز عسكري، ينهي الدور الذي مثله حزب الله، في مقاومة الكيان الصهيوني، وفي دعمه ومساندته للمقاومة في حرب غزة، بل ودوره فيما حدث من تغيير في ميزان القوى العسكري الذي كان مختلًا لمصلحة الكيان الصهيوني، منذ قيامه في العام 1948.

إن ما يشهده لبنان، في الأيام العشرة الأخيرة يجيء مع الذكرى السنوية الأولى لعملية “طوفان الأقصى” الكبرى المجيدة، في تاريخ المقاومة الفلسطينية، بل حتى على مستوى ما عرفه عصر حركات التحرر الوطني من مقاومات، الأمر الذي يشير إلى أن الحرب الضروس بدأت على الجبهة اللبنانية، لتمتد إلى مدى أسابيع وأشهر، وربما أكثر.

فالكيان الصهيوني لا يستطيع أن يتوقف أمام إغراءات ما أنجزه حتى الآن، بالنسبة إليه. الأمر الذي سيفرض عليه الاستمرار في عمليته، بما في ذلك احتلال أجزاء من جنوب لبنان. وهو يظن أن بإمكانه أن يحقق نصرًا على حزب الله، بعد استشهاد السيد حسن نصر الله. فحزب الله، وهذه الحالة، سوف يتماسك، ويضمد جراحه، ويواصل الطريق الذي خطّه السيد حسن نصر الله بإيمان وحكمة، خصوصًا في حرب 2006 وفي تحرير جنوب لبنان.

كان حزب الله قد فقد من قبل قائده، وشهيده، السيد عباس الموسوي الذي كان له الدور القيادي الفاعل. ولكن ثبت أن اختيار السيد حسن نصرالله، من بعده أبقى الحزب على قوته وفاعليته. ثم زوده بفاعلية أكبر، مع تطور موازين قوى أتاحت له الوصول إلى تحرير جنوب لبنان، والانتصار في حرب 2006، وصولًا إلى اليوم.

فالحزب الذي بني منذ العام 1982/1983 أصبح مؤسسة، وذا تقاليد راسخة، واتسعت صفوفه لتشمل الآلاف وعشرات الآلاف. فضلًا عن قيادات عسكرية وسياسية قادرة على مواصلة مسيرته، مهما بلغت الخسائر واشتدت الصعوبات. وهذا طبعًا ما ستثبته الأيام القادمة.

المهم أن الحرب دخلت مرحلة جديدة كليًا مع دخول شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024. ولن تكون من حيث ما تشكله من معادلة جديدة، إلا بحجم ما شكلته عملية “طوفان الأقصى”، وما تداعى في إثرها من تطورات طوال العام الفائت.

صحيح أن المرحلة الجديدة على مستوى قطاع غزة ستواصل طريق النصر، وامتلاك زمام المبادرة في القتال، كما هو مشاهد، وعملي، حتى اليوم.

ولكن صحيح، أيضًا، أن المرحلة الجديدة في الحرب في لبنان، انتقل فيها زمام المبادرة إلى العدوان العسكري الصهيوني، ولا سيما من زاوية قدرته على الاغتيال، كما ظهر مدى شهر كامل.

ولكن الاغتيال لا يكسب حربًا، ولا يؤشر إلى كسب الحرب. فحدوده فردية في اغتيال القادة، وتأثيراته معنوية. ولكنها لا تغيّر في موازين القوى السياسية والعسكرية التي تحكم الحرب عمومًا.

فحزب الله، ولا شك، أُثخن بخسارة عدد هام من قادته الكبار. ولكن قدراته العسكرية، ومكانته الشعبية، وحاضنته السياسية، وعدالة القضية التي يحملها، ما زالت غير متأثرة، بالخسائر الناجمة عن الاغتيال. وهو ما يفترض بها، بناءً على التجارب السابقة.

طبعًا، القول الفصل في تأكيد ما تقدّم، ينتظر الأيام والأسابيع القادمة بالنسبة إلى حزب الله. وذلك عندما يعود إلى زمام المبادرة، في استخدام ما يمتلكه من قدرات وإمكانات، فضلًا عما لديه من القادة والكوادر، والحلفاء والتأييد الشعبي.

ويجب ألا تطغى عمليات الاغتيال على القراءة الدقيقة لموازين القوى العالمية والإقليمية، وفلسطينيًا وعربيًا (محور المقاومة). فيما وضع نتنياهو يزداد عزلة وضعفًا، ولا يملك غير العناد، بسبب ما يعطيه موقفه كرئيس للحكومة الصهيونية من صلاحيات، وقد راح يستخدمها، ضد ما تتيحه موازين القوى السياسية والعسكرية، علاوة على القدرة على الاغتيال.

وهذا متناقض مع كل منطق، سياسي وعسكري، وقوانين موضوعية. وهو ما سينقلب عليه في النهاية. فمن لا يراعي موازين القوى، تنتظره الهزيمة لا محالة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version