Login النشرة البريدية

“لم يكن الهروب من مقر إقامة بعثة منتخبنا طريقة يلجأ إليها ابني لو وجد الإحاطة اللازمة والتشجيعات التي تناسب ما قدمه لتونس، لكن الحادثة كانت ردة فعل على التجاهل الذي لقيه من قبل المسؤولين عن الرياضة في بلاده، لقد حكموا على مسيرة بطل أولمبي قادم بالتوقف”.

بهذه الكلمات بدأت لطيفة بن عمر، والدة بطل أفريقيا لرفع الأثقال، التونسي حمزة بن عمر حديثها للجزيرة نت وهي تكشف ملابسات هروب نجلها ورباعين آخرين من مقر إقامة بعثة منتخب تونس للشباب التي كانت تستعد للمشاركة في بطولة العالم للشباب المقامة في إسبانيا.

لم تكن حادثة هروب حمزة بن عمر وسجير الجبالي ولجين عمارة من مقر إقامة منتخب بلادهم المشارك في بطولة العالم للشباب لرفع الأثقال بإسبانيا، الأسبوع الماضي، أمرا مفاجئا لمن يدركون الأوضاع التي يعيشها رياضيو الألعاب الفردية في تونس، لكنها أعادت الجدل من جديد حول ظاهرة هجرة الرياضيين بشكل سري نحو أوروبا، وعكست في الآن نفسه رغبة في الخروج من حالة الخصاصة التي يعاني منها الكثير من الرياضيين في تونس.

وفي بلد تكاد تستأثر فيه كرة القدم، وبعض الرياضات الجماعية، على الاهتمام والشعبية والأجور المرتفعة، استفحلت ظاهرة استغلال الرياضيين التونسيين مشاركتهم في مسابقات تقام في أوروبا، للهروب من مقر البعثة والبقاء هناك، وذلك وسط تبادل للاتهامات بين المسؤولين في الاتحادات الرياضية للألعاب الفردية وبين الرياضيين أنفسهم وعائلاتهم.

معاناة ومصير غامض

تجلس والدة حمزة بن عمر في غرفة ضيقة جدا في حي الشهداء، المتاخم للعاصمة تونس، وهو واحد من أكثر الأحياء الشعبية تهميشا وفقرا في البلاد، حيث يعيش أغلب الشباب هناك أوضاعا اجتماعية وتنموية متردية، فيما تبلغ نسب الفقر والبطالة معدلات مرتفعة.

وتقول للجزيرة نت إن آمالها كانت معلقة على ابنها الرياضي البطل الذي أحرز الكثير من التتويجات والجوائز في رفع الأثقال، والتي كان آخرها الميدالية الذهبية لبطولة أفريقيا للعبة التي احتضنتها غانا في يوليو/تموز الماضي.

تقطن عائلة حمزة بن عمر في منزل من غرفتين، تبدو جدرانه متآكلة، فيما يفتقر البيت إلى أبسط المرافق والتجهيزات، لكن والدته لطيفة تقول “رضينا بهذا الوضع وضحيت بالكثير من أجل مساعدة ابني على الاستمرار في الرياضة التي يحبها لكننا لم نجنِ سوى التجاهل، أقطن في منزل والدي ولا أملك بيتا يؤويني مع ابني وابنتي. حمزة يتقاضى 200 دينار (65 دولارا) شهريا من وزارة الرياضة وهو مبلغ زهيد جدا”.

لطيفة بن عـمر والدة بطل رفع الأثقال التونسي حمزة بن عمر (الجزيرة)

تضيف لطيفة بن عمر في حديثها للجزيرة نت: “عندما توفي زوجي منذ سنوات، وجدت نفسي أكفل ابنين، أصغرهما حمزة، الذي بدأ ولعه برياضة رفع الأثقال يظهر منذ أن كان عمره 13 عاما، قبل أن ينضم إلى النادي الرياضي للحرس الوطني للألعاب الفردية ويبدأ المشاركة في المسابقات المحلية مع النادي ثم البطولات العربية والأفريقية مع المنتخب التونسي”.

وتؤكد الأم أن “حمزة سافر أكثر من مرة للمشاركة في مسابقات عربية وأفريقية أو معسكرات دولية لكنه لم يفكر في الهجرة بتلك الطريقة السرية، لكن بعد أن توج ببطولة أفريقيا 2024 ولم يحصل على المنحة المالية التي تم الاتفاق عليها مع اتحاد رفع الأثقال، تأثر كثيرا وأصيب بحالة إحباط قد تكون دفعته إلى البحث عن تحسين ظروف عيشه خارج البلاد.. لست نادمة على ما قام به ابني طالما لم يحصل على أي تشجيع من قبل المسؤولين عن اللعبة”.

ووفقا للمتحدثة، أحرز بن عمر ذهبية بطولة أفريقيا التي أقيمت في أكرا، وتم الاتفاق على منحه 11 ألف دينار (ما يقارب 3.8 آلاف دولار) لكن حتى اليوم لم يحصل على تلك المنحة، بل تم حجز جواز سفره وهاتفه من قبل المسؤولين عن البعثة التونسية المشاركة في بطولة العالم”.

ووجهت والدة حمزة دعوة لوزارة الرياضة واتحاد رفع الأثقال بمنح ابنها جواز سفره ومنحته المالية المقدرة بـ11 ألف دينار، مضيفة “نحن نحب تونس، ابني سيدافع عن وطنه ومنتخب بلاده لكنه يطلب العدل وتوفير ظروف ملائمة”.

وقبل بداية بطولة العالم التي يسدل عليها الستار الجمعة، أقدم الرباعون التونسيون، حمزة بن عمر وسجير الجبالي في الرجال، ولجين عمارة في الفتيات، على الهروب قبل الوصول إلى مقر إقامة بعثة منتخب بلادهم في مدينة لييون الإسبانية، والانتقال إلى وجهة غير معلومة، مما شكّل مفاجأة صادمة في الأوساط الرياضية.

وقبل الوصول إلى مقر إقامة منتخب تونس في إسبانيا، غادر حمزة بن عمر وسجير الجبالي من منتخب الشباب، ولجين عمارة من منتخب الفتيات، واختفوا في العاصمة مدريد، وفق ما أكده المدير الفني لاتحاد رفع الأثقال رشدي بن خليف للجزيرة نت..

وتكررت ظاهرة الهجرة السرية للرياضيين أو ما يسمى في تونس (الحرقة) بشكل كبير في السنوات الأخيرة مما أثار الكثير من ردود الفعل إزاء حالة التهميش التي يعاني منها هؤلاء وغياب إستراتيجية واضحة لتكوين أبطال في الرياضة على أسس صحيحة.

ووجه نشطاء عبر منصات التواصل أصابع الاتهام للاتحادات الرياضية للألعاب الفردية ولوزارة الرياضة بدفع أبطال المستقبل نحو مصير غامض وعدم منحهم الامتيازات التي يستحقون وحمايتهم من الهروب نحو المجهول.

جنة أوروبا الضائعة

وفي المقابل، اتهم عدد من مسؤولي الاتحادات الرياضية للألعاب الفردية في تونس مثل المصارعة ورفع الأثقال والملاكمة والجيدو وغيرها، الرياضيين بالبحث عن الربح السريع واستغلال الحصول على التأشيرة للدخول إلى أوروبا، من أجل البقاء هناك، والبحث عن عمل بعيدا عن الرياضة أو الانضمام لنواد رياضية في البلدان التي هربوا إليها.

وقال المدير الفني للاتحاد التونسي لرفع الأثقال رشدي خليف للجزيرة نت “الهروب من مقر بعثة المنتخبات لن يكون على الإطلاق حلاّ أمام هؤلاء الشبان اليافعين لتحسين ظروفهم، عملية الهروب كانت أمرا مدبرا ومنظما بصفة مسبقة”.

وتابع خليف “عندما وصلنا إلى مطار مدريد تسلمت جوازات سفر كل أفراد البعثة من رباعين ومدربين، ولكن فوجئنا بأن 3 رياضيين هربوا نحو وجهة غير معلومة، العملية كانت مدبرة وهي خطأ كبير لكننا لا نزال نأمل في أن يعودوا إلى تونس لأنهم يحتاجون إلى مزيد من التأطير والعمل من أجل النجاح، كما تحتاجهم الرياضة التونسية للتألق في المسابقات الدولية والأولمبية المقبلة”.

وتبدأ وزارة الرياضة بالتنسيق مع اتحاد رفع الأثقال تحقيقا للكشف عن ملابسات هروب الرياضيين الثلاثة في إسبانيا قبل بداية مشاركتهم في بطولة العالم، كما سيتم اتخاذ قرارات هامة في شأن كلّ من حمزة بن عمر وسجير الجبالي ولجين عمارة وفق رشدي خليف.

وفنّد المدير الفني لاتحاد رفع الأثقال التصريحات التي أدلى بها كل من حمزة بن عمر وسجير الجبالي حول حالة التهميش وعدم الحصول على أجور شهرية مؤكدا أن الوزارة والاتحاد وفرا كل ظروف النجاح لأفراد بعثة المنتخب وفق قوله.

ومن جهته، أصدر اتحاد رفع الأثقال بيانا رسميا قال فيه إن “الرباعين الثلاثة الذين هربوا من بعثة المنتخب توفرت لهم كل ممهدات النجاح من قبل الاتحاد وحصلوا على منحهم ورواتبهم حتى أغسطس/آب الماضي”.

وقال الاتحاد إن “الرباعين الذين يبحثون عن سراب الحلم الأوروبي هم أبناء تونس وسيتم احتضانهم من جديد في حال عودتهم إلى تونس واعتذارهم عن الحادثة التي استنكرها الجميع”.

ويشار إلى أن عددا كبيرا من الرياضيين التونسيين أقدم على الهجرة غير النظامية (الحرقة) بعد الحصول على التأشيرة والسفر ضمن وفد رسمي للمشاركة في إحدى التظاهرات أو المعسكرات.

وفي 2018، وضمن تحضيرات البعثة التونسية للألعاب المتوسطية تاراغونا في إسبانيا، غادر لاعب الجمباز وسيم الحريزي بعثة منتخب بلاده خلسة، واختار الاختفاء في مدينة تاراغونا.

وقبل ذلك، غادر كل من فوزي الكرايدي وسفيان خلايفية في منتخب رفع الأثقال مقر إقامة منتخب تونس حال وصولهما الى مطار برشلونة ليستمر اختفاؤهما حتى الآن.

شاركها.
Exit mobile version