Login النشرة البريدية

غزة- يكشف أبو خالد عن بطنه وذراعيه، يبدو جسده مطرزا بلدغات البعوض، ويشير بيديه إلى بركة مليئة بالمياه العادمة، يقول إنها السبب في كل الأمراض التي يعانيها، وأبناؤه لا يستطيعون النوم بسبب تكاثر الحشرات وانتشار القوارض.

يسكن أبو خالد في بيت يقابل بركة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، وهي أكبر بركة لتجميع مياه الأمطار من النصف الشرقي للمدينة، لكنها أضحت اليوم بفعل الحرب بركة تختلط فيها مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار التي هطلت خلال الحرب، دون القدرة على تصريفها حتى الآن.

وعزا مدير الصرف الصحي ببلدية غزة محمد الإمام أسباب تكدس المياه العادمة إلى استهداف الاحتلال خطوط الضخ الرئيسية الواصلة من محطات الصرف إلى شارع 10 الواقع في محور “نتساريم”.

وأوضح للجزيرة نت أن 90% من سعة البركة ممتلئة بالمياه العادمة ما يجعلها قنبلة صحية وبيئية موقوتة، محذّرا من خطورة طفح المياه وفيضانها في حال هطلت الأمطار ولو بشكل طفيف.

ومع اقتراب موسم الشتاء وحديث دوائر الأرصاد عن منخفضات جوية قادمة على القطاع، فإن مخاوف الغزيين تزداد مما وصفوه “بكابوس” طفح المياه من البركة وغرق منازلهم، حيث قال رائد وهو أحد السكان بجوار البركة للجزيرة نت “نعيش في رعب متواصل، وخوف مركّب من أن نغرق بمياه عادمة وليس بأمطار عادية حتى”.

ولفت رائد إلى أن الاحتلال حين قام باجتياح المنطقة ألقى بسيارات ومواتير كهربائية كبيرة ونفايات صلبة داخل البركة، وهو ما عقّد الأزمة بسبب الحاجة لجلب معدات ثقيلة لإفراغها.

السكان يشكون من تراكم المياه العادمة على بُعد أمتارٍ منهم دون وجود مكان آخر للسكن (الجزيرة)

موت آخر

ويعيش النازحون في مراكز الإيواء المقابلة لبركة الشيخ رضوان قلقا وتوترا من نوع آخر، ففي مدرسة أسماء بنت أبي بكر المطلة على البركة بشكل مباشر، يصف النازحون فصول معاناتهم الممتدة بدءا من فقد بيوتهم، إلى النزوح المتكرر، مرورا بالمجاعة، وانتهاءً بالوضع المأساوي الذي يعيشونه نتيجة تراكم المياه العادمة على بعد أمتارٍ منهم، بحسب قولهم.

يغلق يزن أنفه خلال مروره في ساحة المدرسة، ويقول للجزيرة نت متهكّما “رضينا بالهم والهم ما رضي فينا، حالتنا النفسية لم تعد تحتمل معاناة أكبر واختناقا أكثر!” وتابع وهو يشير إلى أطفال حفاة قطعوا الشارع المحاذي للبركة وقفزوا من فوق تجمعات لمياه الصرف الصحي حولها، قائلا “هذه مكرهة صحية مؤذية، ووباء سيقتلنا جميعا إن بقي على هذا الحال”.

كما يشكو النازح يوسف أحمد للجزيرة نت قائلا “قُصفت بيوتنا وهربنا إلى هذه المدارس للنجاة من الموت، لكننا وجدنا موتا آخر بانتظارنا”، وردا على سؤال عن خشيته من طفح المياه على أماكن نزوحهم، أجاب “قولا واحدا ستطفح إن لم يتم التدخل فورا”.

ورغم اكتظاظ مراكز الإيواء وامتلائها، لا يجد النازحون بديلا عنها، وفي حال طفحت المياه في الأيام المقبلة فلن يكون هناك مكان آخر للنزوح إليه، الأمر الذي دفع النازحين لتوجيه مناشداتهم لبلدية غزة والمؤسسات الدولية للتدخل الفوري قبل حلول الكارثة، بينما تحاول بلدية غزة بما بقي لها من عُدة لإجراء إصلاحات بسيطة.

دفع الخطر

تقول البلدية إنها تحاول التنسيق لإدخال بعض المواد بشكل عاجل، لإتمام عملية صيانة خط الضخ الرئيسي ولتفريغ البركة، وهو ما يحتاج من 3 إلى 4 أسابيع، ما يضع البلدية على المحك لتقديم حلٍّ قبل دخول الموسم الشتوي.

ولفتت البلدية على لسان مدير الصرف الصحي محمد الإمام إلى أن الجهود الدولية المقدّمة لم ترقَ للمستوى المطلوب، حيث إنها لم تستلم إلا كميات قليلة جدا من الوقود في الأشهر الماضية، في ظل الحاجة الكبيرة لكميات كبيرة لتشغيل مضخات الصرف الصحي في مختلف أنحاء المدينة.

كما تحذر المؤسسات المحلية من خطر تسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفي وتلويثها في مدينة غزة، الأمر الذي قد يحتاج حله سنوات وربما عقودا مقبلة، إضافة إلى أن جميع مناطق القطاع باتت بلا مياه بعد توقف 90% من الآبار، بسبب القصف الإسرائيلي ونفاد الوقود.

وبحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، فإن الاحتلال الإسرائيلي قد دمر 67% من البنية التحتية لقطاع غزة منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما يشمل الطرق والمرافق العامة والمنتزهات وآبار المياه ومضخات الصرف الصحي.

شاركها.
Exit mobile version