Login النشرة البريدية

بعد مرور عام على طوفان الأقصى، والذي راح ضحيته أكثر من أربعين ألفًا من الأبرياء، فإن ثمة تساؤلات عديدة تدور في الذهن تتصل بما يجري في منطقة الشرق الأوسط من صراعات ونزاعات ذات طبيعة مزمنة، وكأنما قُدّر لهذه الجغرافيا من العالم أن تكون في دُوامة من الصراع والاحتراب بين دولها، وداخل كياناتها السياسية وتكويناتها المجتمعية.

فمن المنظور الطاقوي يستمد الشرق الأوسط قيمته الإستراتيجية من كونه يمثل 31% من إنتاج النفط العالمي، و18% من إنتاج الغاز، و48% من احتياطيات النفط المؤكدة، و40% من احتياطيات الغاز.

وكما هو معلوم، فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يُعد حسب تقييم الكثيرين أكبر الشركاء الإستراتيجيين لدول المنطقة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. وقد تعزز نفوذه في قضايا المنطقة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق.

وبإلقاء نظرة فاحصة على طبيعة العلاقة التي تجمع بينهما، تبرز جملة من الأسئلة التي تُعد مشروعة من وجهة نظر تقييمية ونقدية، والتي يحاول هذا المقال الإجابة عنها، ومنها: ما الذي استفاده الإقليم من شراكته المفترضة مع الغرب بقيادة أميركا على المستوى: السياسي، الاقتصادي، الأمني والعسكري؟ من هو الرابح من تلك الشراكة المتخيلة، ومن هو الخاسر من منظور المصالح الإستراتيجية؟

إلى أي مدى تحتاج دول الشرق الأوسط إلى إعادة فحص وتقييم لحصاد تجربتها مع الشريك الغربي، بالقدر الذي يمكنها من اتخاذ القرار السليم، إما بالمحافظة على هذه الشراكة القديمة، أو إعادة التموضع بشكل جديد واختيار مسار لشراكات جديدة، ومع لاعبين جدد تخدم مصالحها على المدى الطويل؟ وسيركز المقال على الولايات المتحدة كنموذج في إطار مقاربة الموضوع المطروح.

المصالح الأميركية في المنطقة

تنظر الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط من زاويتين: الأولى أمنية، وتشمل مجموعة من القضايا، والتي من بينها منع نشوب الصراعات التي قد تهدد حلفاءها، أو تُزعزع استقرار أسواق الطاقة العالمية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، والتصدي للجماعات المتطرفة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحد من التسلح، وحماية مواطنيها والقوات الأميركية المتواجدة في المنطقة، فضلًا عن تمكين حلفائها من بناء القدرات العسكرية الكافية للدفاع عن أنفسهم.

الزاوية الثانية لتصور أميركا لمصالحها في الشرق الأوسط اقتصادية، وتشمل ضمان تدفق موارد الطاقة من النفط والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية، ودعم الاستقرار الاقتصادي العالمي بصفة عامة، والأميركي بصفة خاصة، وذلك من خلال تأمين إمدادات الطاقة، بجانب تعزيز فرص التجارة والاستثمار مع دول المنطقة، وتوسيع الشراكات الاقتصادية. وقد اتبعت في سبيل تحقيق ذلك عددًا من الإستراتيجيات يمكن استعراضها كما يلي:

إستراتيجيات متنوعة

اتبعت الولايات المتحدة عددًا من الإستراتيجيات التي تفاوتت بين ما هو سياسي، اقتصادي، وعسكري، بيدَ أنّ معرفة وتحليل هذه الإستراتيجيات يستدعي استخدام بعض النماذج النظرية، التي اُستخدمت في حقل العلاقات الدولية، بغرض المساعدة في تحليل طبيعة تحرك واشنطن لتحقيق مصالحها في المنطقة، والتي تشهد تنافسًا كبيرًا بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، وهنا يمكن الإشارة لمنطلقَين فكريَين رئيسيَين، هما:

  • المنطلق الفكري الأوّل، هو التحكّم في الصراعات وإدارتها وليس حلها. ارتبط هذا المدخل بالدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر، والذي عبّر عن هذا التصور في كتابه: “الدبلوماسية”.
  • المنطلق الفكري الثاني، هو الأَمْنَنة، ويرجع الفضل بشكل عام في بناء هذه النظرية، ووضع أسسها الفكرية إلى مدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية، وبشكل خاص إلى أولي ويفر، وباري بوزان. فالأمننة كمصطلح متداول في العلاقات الدولية، يعني قيام الفاعلين في الدولة بعملية تحويل بعض القضايا العادية إلى مسائل أمنية، وتصويرها على أنّها مهدد يستدعي المواجهة، واتّخاذ بعض الإجراءات الاستثنائية.

وبإسقاط هذه المقاربات النظرية المشار إليها على واقع العلاقة الإستراتيجية المفترضة بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة، يمكن القول إنّ حصاد المنطقة كان تركة مثقلة من الصراعات والحروب التي جعلت من هذه الرقعة الجغرافية الغنية بالموارد أقل الأماكن استقرارًا على مستوى العالم.

يضاف إلى ذلك سجل عريض من الانتهاكات الموجهة ضد حقوق الإنسان، وتدخلات عسكرية قادت العديد من الدول إلى الانهيار الكامل، وتحول بعضها إلى دول فاشلة شكلت عبئًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ليس على مواطنيها فحسب، بل حتى على مستوى المحيط الإقليمي الذي تنتمي إليه.

والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكننا سنكتفي بذكر بعض النماذج لدعم الفرضية التي يتبناها المقال فيما يتعلق بحصاد هذه الشراكة غير المتكافئة. ومن هذه النماذج:

الصراع العربي الإسرائيلي

شهد ملف الصراع العربي الإسرائيلي منعطفات متعددة، ويمكن أن يؤرخ لذلك بالحرب العربية الإسرائيلية في العام 1948، مرورًا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحرب يونيو/ حزيران 1967، فيما عرف بحرب النكسة، وحروب الاستنزاف التي أعقبت نكبة يونيو/ حزيران، وحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

وترافق مع الحرب أن حظرت منظمة أوبك بقيادة الملك فيصل تصدير النفط للدول التي دعمت إسرائيل في الحرب، مثل: الولايات المتحدة، كندا، اليابان، هولندا، وبريطانيا، حيث ارتفع سعر النفط وقتها بنسبة 300٪، أي من 3 دولارات للبرميل الواحد إلى ما يقرب من 12 دولارًا للبرميل.

تلا ذلك الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، ثم مرورًا بعدد من المواجهات، وصولًا إلى ما اُصطلح على تسميته بطوفان الأقصى الحالي.

الملاحظة الجديرة بالاهتمام، هي أنّ هذا الصراع، وعلى مدى يتجاوز الـ75 عامًا، ظل بلا حل، رغم وجود مرجعية دولية تتمثل في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الحرب الأخيرة.

مع الأخذ في الاعتبار أنّ مجلس الأمن قد وقع في خطأ قانوني، عندما اعتمد هذا القرار الذي يطلب الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 67، بدلًا من إنفاذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، والذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، وتضمن ذات القرار الطلب من إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، علمًا بأنّ هذا القرار المشار إليه -181- تضمن حدود الدولة الفلسطينية كاملة.

وبالتالي فإنّ منطق إدارة الصراع وليس حله، كما أشار إلى ذلك كيسنجر، يبدو حاضرًا إلى اليوم بفاتورة بشرية تجاوزت الـ134 ألف فلسطيني وعربي، قُتلوا في فلسطين منذ “النكبة” عام 1948، إلى جانب تسجيل نحو مليون حالة اعتقال منذ “نكسة” عام 1967، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في مايو/ أيار 2024.

فالمحصلة هنا أنّ الدعم الكبير الذي ظلت تُقدمه واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لإسرائيل منذ العام 1948 وإلى اليوم، لم يستطع أن يصنع سلامًا لتل أبيب في هذا المحيط الإقليمي المضطرب، وبالتالي فإنّ ذلك يفتح الباب لتساؤل مشروع، وهو هل تحقيق الأمن والاستقرار لدول الإقليم يستلزم الاستمرار في شراكة مع واشنطن بهذه الصورة الضبابية غير المتكافئة، أم أنّ الأمر يستدعي نوعًا جديدًا من الشراكة التي تمكن الإقليم من بناء قدراته الاقتصادية والدفاعية، في إطار المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة؟

الحرب العراقية الإيرانية

لعبت أميركا دورًا رئيسيًا في الحرب العراقية الإيرانية قبل وأثناء الحرب، رغم أنّ العراق وقتها كان يتخوّف من أن يسهم نجاح الثورة الإيرانية في العام 1979 في أن تتحول إيران إلى قوة إقليمية مهيمنة في المنطقة. وفي المقابل فإنّ واشنطن ورغم تشجيعها للعراق في الدخول في حرب مع طهران، فإنّها كانت مدفوعة برغبتها في تعويض الخسارة الاستخباراتية التي منيت بها عقب حادثة احتجاز الرهائن في سفارتها بطهران.

فمن بين الوثائق التي عثر عليها الثوار الإيرانيون عقب احتجازهم الرهائن، قائمة بكافة عملاء الـCIA في قارة آسيا شاملةً عناوينَهم، أسماءَهم وهواتفهم، الأمر الذي أجبر واشنطن على سحبهم من قارّة آسيا، والبداية من الصفر.

وقد خلفت الحرب العراقية الإيرانية أكثر من مليون قتيل، وخسارة مادية بلغت الـ400 مليار دولار. وكما هو معلوم، فإنّ الولايات المتحدة كانت داعمًا رئيسيًا للعراق في تلك الحرب، وقد أمدته بكم هائل من الأسلحة.

وفي المقابل، دعمت إيران كذلك بالسلاح فيما عرف بفضيحة إيران كونترا، والذي قامت بموجبه إدارة الرئيس رونالد ريغان ببيع السلاح لإيران، واستخدام أرباح تلك الصفقة لتمويل حركات “الكونترا” المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا. وكان من نتائج تلك الحرب التي استمرت لمدة ثمانية أعوام أنها كانت سببًا في دخول العراق للكويت في 2 أغسطس/آب 1990.

ومن المفارقات أنّ صدام حسين دخل الكويت بعد أن تلقى الضوء الأخضر من السفيرة الأميركية بالعراق آنذاك أبريل غلاسبي، التي التقى بها في الخامس والعشرين من يوليو/تموز 1990.

ولعل أبرز تداعيات دخول الجيش العراقي للكويت، هو غزو أميركا للعراق، وسقوط بغداد في العام 2003، الأمر الذي أسهم في خلق فراغ جيوسياسي قامت بملئه إيران، واستفادت واشنطن من تمدد نفوذ طهران في المنطقة في تسويق مشروعية تواجدها العسكري بالقرب من حقول النفط.

فالدرس المستفاد من هذه الحرب هو أنّ واشنطن تُعتبر شريكًا براغماتيًا لا يمكن الوثوق به، والشواهد اللاحقة في إطار تجربة أميركا مع المنطقة تدعم هذه المخاوف. فرغم ميراث العداء الظاهر بين طهران وواشنطن، قامت إدارة الرئيس باراك أوباما بإدارة ظهرها لدول الخليج، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران.

وقد مكّن هذا الاتفاق طهران من المضي قدمًا في مشروعها النووي كما اتّضح لاحقًا. وما يجري الآن من تصعيد مدروس بين إسرائيل وطهران يصبُّ في قالب الشكوك المثارة حول دور واشنطن، وعليه فإنّ دول المنطقة تحتاج لمد جسور التواصل مع أطراف أخرى كالصين وروسيا لحفظ التوازن المفقود، والذي ربما يكلّف الإقليم مزيدًا من الانكشاف القاتل في لحظة لا يمكن معها التعويض. خطوة كهذه يمكن أن تقود أميركا لإعادة النظر في أسس شراكتها الهشّة مع الإقليم.

الحرب على أفغانستان

مثّلت الحرب على أفغانستان نموذجًا صارخًا لتطبيق نظرية الأمننة، وذلك عبر خلق عدو متوهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، حيث تم تصوير نظام طالبان على أنّه الحليف الرسمي لتنظيم القاعدة، وبالتالي تم وصمه بالإرهاب وإلصاق تهمة تهديده للسلم والأمن الدوليين.

بيد أنّ الأهداف الإستراتيجية لتلك الحرب كانت تتمثل في التموضع العسكري الاستباقي في مناطق جيوستراتيجية بالقرب من آسيا الوسطى، القريبة من حدود الأعداء السابقين كروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي السابق، والأعداء المحتملين كالصين، أو مجموعة دول آسيوية قد تدخل في تحالفات تشكل قطبًا منافسًا للولايات المتحدة الأميركية في المستقبل، في إطار ما بات يُعرف بمثلث بريماكوف.

وبعد عشرين عامًا من القتل والتدمير، عادت الولايات المتحدة وسلمت أفغانستان لنفس الغريم التقليدي الذي وصمته بالإرهاب، وانسحبت بشكل أضر بهيبتها كقوة عظمى.

ويبدو أن الدرس المستفاد هو أنّ واشنطن مستعدة للجلوس مع أي طرف إذا ما اقتضت مصلحتها ذلك، بغض النظر عن أي تقاطعات. ففي البريد الإلكتروني المسرّب من ويكيليكس في العام 2012، أشار جيك سوليفان – الموظف بالخارجية الأميركية وقتها، ومستشار بايدن الحالي للأمن القومي – إلى هيلاري كلينتون قائلًا إن “القاعدة تعمل في صفنا في سوريا”.

يتضح أنّ القاعدة التي تمت محاربتها في كابل، تعتبر حليفًا في دمشق. وبالتالي فإنّ الاعتماد على واشنطن كشريك أمني ودفاعي أوحد في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة، يُعد مخاطرة كبيرة قد يدفع الإقليم ثمنها لاحقًا بسبب حالة الانكشاف الإستراتيجي التي يعاني منها.

الانكشاف الإستراتيجي لدول المنطقة

واجهت منطقة الشرق الأوسط حالة من الانكشاف الإستراتيجي، بسبب عاملين اثنين: أولهما داخلي، ويتعلق بالسياسات الوطنية التي اتبعتها دول الإقليم في الجوانب: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والعسكرية.

فرغم ضخامة حجم الموارد المتوفرة، لم تهتم دوله بتنويع القاعدة الاقتصادية بالقدر الذي يجنبها تقلبات الاقتصاد العالمي الذي تحكمه عوامل خارج نطاق سيطرتها، واستمر اعتمادها على موارد محددة دون أي تطوير يحفظ لهذه البلدان استقلاليتها ويحميها من الوقوع في مشكلة الاستتباع الاقتصادي، الذي يمكن أن يُوظف ضدها في أية لحظة.

وفي الجانب السياسي والاجتماعي، لم تهتم هذه الدول بتطوير البنى السياسية والاجتماعية بما يضمن قاعدة أكبر من المشاركة لأفراد المجتمع، ما جعلها عرضة للاختراق الأمني، وتوظيف كروت الضغط المناطقية، الطائفية، المذهبية والحزبية؛ لضرب استقرارها الأمني، وفتح نوافذ للتدخل الخارجي.

وعلى الصعيد الأمني والعسكري، اعتمدت أغلب الدول داخل هذا الإقليم على الشراكة الأمنية مع واشنطن، وكما أثبتت التجارب التاريخية في نطاق الشراكة المفترضة مع الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة، فإنّ هذا الرهان يُعد خاسرًا، ولا يمكن الاعتماد عليه في ظل توازنات إقليمية ودولية لا تعير أي اهتمام لمن لا يمتلك أدوات الردع الخاصة به.

فقرار دخول أي حرب لا يُعد قرارًا وطنيًا مملوكًا لدول المنطقة، وذلك لأنها لا تُنتج سلاحها بنفسها، بل تحصل عليه من جهات لديها حسابات أمنية وعسكرية لا تسمح بأي نوع من التفوق الذي يؤثر على مصالحها ومصالح شركائها الحقيقيين وليس المفترضين.

العامل الآخر الذي أسهم في تعميق حالة الانكشاف الإستراتيجي، هو تغيّر خريطة التوازنات الدولية في غير صالح من تعتبره المنطقة شريكًا إستراتيجيًا.

ولعل أحد مظاهر تبدل خارطة التوازنات الدولية، هو التنامي المطرد للصين كقوة عظمى منافسة على المسرح الدولي. وقد أسهمت الحرب الأوكرانية في إحداث نوع من التقارب بين الصين وروسيا وإيران. ففي السادس عشر من مايو/أيار 2024، سجل فلاديمير بوتين، وشي جين بينغ رقمًا قياسيًا جديدًا باختتام اجتماعهما الثالث والأربعين، بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا. وشهد الاجتماع تأكيدًا على “الشراكة الشاملة” و”التعاون الإستراتيجي” بين الجانبين.

ويبدو أنّ هذا التقارب محاولة لإحياء مثلث بريماكوف الذي قدمه في بداية تسعينيات القرن المنصرم، ولكن باستبدال إيران بالهند.

وفي ذات المنحى التحالفي وإعادة التموضعات الجديدة، سعت بكين لإنشاء مجالات نفوذ جيوسياسي واقتصادي منافس للولايات المتحدة في المنطقة، وذلك عبر التقارب الاقتصادي مع طهران.

ففي العام 2021، وقعت الدولتان اتفاقية تعاون تجاري إستراتيجي لمدة 25 عامًا، وتأتي كخطوة متقدمة لإشراك إيران في مشروع “الحزام والطريق”، كجزء من الخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وأفريقيا.

وتحت رعاية الصين، انضمت إيران إلى مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. ووفقًا لمجلة “بتروليوم إيكونوميست”، ستستثمر الصين 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار في صناعة النقل الإيرانية.

الخلاصة

إنّ مستقبل الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط يمر بتحديات غير مسبوقة؛ بسبب ديناميكيات القوة العالمية المتغيرة، وصعود الصين، وانكفاء أميركا على قضاياها المحلية. وهذا يستلزم إعادة النظر في مجمل الأسس التي حكمت هذه العلاقة لعقود بين الطرفين.

وبغض النظر عن تباين وجهات نظر بعض الفاعلين في الإقليم حول ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنّه فتح الباب لاتخاذ خطوات مدروسة وعميقة لبناء شراكات جديدة مع القوى الدولية الصاعدة كالصين، ولحد ما روسيا فيما يتعلق بالطاقة النووية للاستخدام السلمي. فمعالجة الشرق الأوسط لأزمة انكشافه الإستراتيجي تستلزم جملة من النقاط.

فعلى المستوى السياسي، يستدعي الأمر تطوير النظم السياسية القائمة بالقدر الذي يسهم في توسيع قاعدة المشاركة السياسية لجميع أفراد المجتمع وفقًا للتقاليد والأعراف الثقافية الخاصة بكل دولة من دول الإقليم، وذلك منعًا لأي اختراق خارجي.

أما على المستوى الاقتصادي، فيتطلب الأمر تنويع القاعدة الاقتصادية، والعمل على توطين الصناعات التكنولوجية المتقدمة. وعلى المستوى الدفاعي، تقتضي المصلحة أن يتم توطين كل الصناعات الدفاعية في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار أحقية دول الإقليم في تطوير الاستخدام السلمي للطاقة النووية، فضلًا عن تطوير وتعزيز آليات العمل الدفاعي المشترك أسوة بتجربة حلف الناتو.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version