في الربيع الماضي، وبعد اعتقال 93 متظاهرًا في حرم جامعة جنوب كاليفورنيا (USC)، وتهديد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بعقوبات مدنية وأكاديمية، بدا أن رئيسة الجامعة كارول فولت تبحث عن مخرج.
وفي مايو/أيار الماضي، صرحت فولت أمام مجلس الشيوخ الأكاديمي للجامعة، في الوقت الذي كان فيه أعضاء هيئة التدريس يضغطون عليها لمعرفة السبب وراء استدعائها شرطةَ لوس أنجلوس المسلحة بشكل كبير؛ لقمع احتجاجات طلابية سلمية وتفكيك معسكرهم، قائلة: “ما نحاول فعله حقًا الآن هو التهدئة”.
وادعت فولت أنها كانت تنوي الخروج “بنفسها” قبل تدخل الشرطة. وكان المعسكر يبعد دقيقتين مشيًا على الأقدام عن مكتبها. ولو قامت بهذه الخطوة القصيرة، لكانت قد تعلمت منذ البداية طبيعة المعسكر: تجمع سلمي متعدد الأديان للطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين شهدوا على الهجوم الإسرائيلي على غزة. تضمن المعسكر أنشطة منتظمة، مثل: اليوغا، التأمل، جلسات تعليمية، جلسات تضامن بين السود والفلسطينيين، و”سدورات” خلال عيد الفصح. لكن فولت لم تقم بهذه الخطوة، وقالت لمجلس الشيوخ الأكاديمي: “لا أعرف لماذا لم أفعل ذلك، وأنا نادمة على ذلك”.
ومع ذلك، فإن أفعال الجامعة منذ ذلك الحين تتناقض مع كلمات فولت. مثل العديد من الجامعات الأخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة، في زمن التضامن مع غزة، لجأت إدارة الجامعة إلى تكثيف التدابير القمعية.
بعد الاحتجاجات في الربيع الماضي، حافظت إدارة أمن USC، أحيانًا بمرافقة ضباط شرطة خارج الخدمة مدربين على “عمليات إدارة الحشود”، على طوق أمني مشدد حول الحرم الجامعي. وفي الخريف الحالي، “رحبوا” بالطلاب الجدد بإقامة حواجز معدنية، ونقاط تفتيش أمنية، وتفتيش الحقائب، وإلزامية فحص الهويات.
علاوة على ذلك، زادت إدارة الجامعة الضغط على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين يواجهون العقوبات، بإرسال رسائل تهديدية واستدعائهم لجلسات تأديبية. كما طُلب من الطلاب كتابة “أوراق تأمل” يعبرون فيها عن ندمهم، مع تقديم بيان “ماذا تعلمت؟” قبل إسقاط أي عقوبات مفروضة عليهم.
إحدى الرسائل التي أرسلها مكتب “توقعات المجتمع” في USC تضمنت أسئلة مثل: “كيف أثرت أفعالك على أفراد المجتمع الجامعي وأنشطتهم المجدولة في المساحات المتأثرة؟”. وطالبت الرسالة الطلاب بمشاركة كيفية اتخاذ قرارات مختلفة في المستقبل، وتوضيح المنطق الذي سيستخدمونه.
في أسلوب معتاد من USC، تم تسويق القيود الصارمة، مثل “الممرات السريعة”، و”خيام الترحيب”، وزيادة عدد البوابات المفتوحة، كوسائل راحة. لكن الواقع مختلف: حرمنا الجامعي في حالة إغلاق “للمستقبل المنظور”، وفقًا لما ورد في بريد إلكتروني على مستوى الحرم الجامعي. وبعبارة أخرى: لا تتوقعوا العودة إلى حرم مفتوح في أي وقت قريب، إن حدث ذلك على الإطلاق. السبب؟ “الأمن في الحرم الجامعي يظل أولويتنا القصوى”.
إذن، لا وجود لغصن الزيتون.
جامعة USC ليست الوحيدة التي تواجه قرارات متضاربة بشأن كيفية التعامل مع معسكرات الاحتجاج والنقاشات حول إسرائيل وفلسطين. بعض الجامعات، مثل جامعة ولاية سان فرانسيسكو، استمعت إلى المتظاهرين، وقررت سحب الاستثمارات من الشركات التي تحقق أرباحًا من إنتاج الأسلحة. جامعات أخرى، مثل جامعة ويسليان، سهلت المحادثات بين الطلاب المتظاهرين، ومجلس أمناء الجامعة. ومعظمها قمع الاحتجاجات.
جامعة جورج واشنطن أوقفت مجموعتين طلابيتين، هما: “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”. جامعة إنديانا وجامعة جنوب فلوريدا حظرتا إقامة الخيام في الحرم الجامعي دون الحصول على موافقة مسبقة. جامعة بنسلفانيا حظرت إقامة المعسكرات. جامعة كولومبيا الآن تستخدم نظام ترميزٍ لونيٍّ لتقييد الوصول إلى الحرم الجامعي.
قرابة 100 جامعة أميركية طبقت قواعد أكثر تقييدًا لتنظيم الاحتجاجات في الحرم الجامعي. حرية التعبير لم تكن في وضع أسوأ من قبل، خصوصًا في الجامعات الكبرى، وفقًا لمسح أجرته مؤسسة حقوق الأفراد والتعبير. من بين 251 جامعة تم مسحها، جاءت USC في المرتبة 245 بتصنيف “سيئ للغاية”. والأسوأ من ذلك، بتصنيف “مروع”، جاءت جامعتا نيويورك وكولومبيا، وفي المرتبة الأخيرة جامعة هارفارد.
قد لا تكون USC قد “تفوقت” على هارفارد في قمع حرية التعبير، لكنها تجاوزت جميع “منافسيها” في تحويل الحرم الجامعي إلى قلعة. وهذا يتعارض بشكل صارخ مع الثقافة الجامعية التي تقوم على الانفتاح والاستفسار.
الآن، في كل مرة ندخل فيها الحرم الجامعي، نجد أنفسنا مجبرين على مواجهة بيئة أمنية مزعجة. “الممرات السريعة” و”خيام الترحيب” لا تخفف من الشعور بأننا تحت المراقبة؛ بل على العكس، تجعلنا نشعر وكأننا في مطار تحت أعين إدارة أمن النقل اليقظة.
ما هو أكثر إزعاجًا هي الرسالة التي ترسلها USC إلى المجتمع المحيط في جنوب لوس أنجلوس. في أغسطس/آب الماضي، كتب فرع رابطة الأساتذة الجامعيين الأميركيين في USC رسالة إلى الرئيسة فولت قال فيها: “مقارنة بتاريخ USC الطويل، الذي كنا نفتخر فيه باندماجنا مع المجتمع المحيط، أصبح الوصول إلى الحرم الجامعي مقيدًا بشدة؛ بسبب الخطوط عند “خيام الترحيب”، وازدياد تردد الضيوف في زيارة الحرم الجامعي، بالإضافة إلى التفتيشات الأمنية العشوائية التي يخضع لها بعض الزوار”.
هذا لا يقارن بتأثير التواجد الأمني والعسكري على الطلاب الملونين، الذين يشعرون بالفعل بالتهميش في جامعة يغلب عليها البيض. في حديثه لـ “أنينبيرغ ميديا” الشهر الماضي، قال الطالب ليون برييتو: “لم يفهموا لماذا كنا هناك في المقام الأول… لم أعد أرى USC كما كانت. لا أشعر بأنني أنتمي إليها”.
على مرّ السنين، ابتليت USC بسلسلة من الفضائح التي تجعل من الصعب الشعور بالفخر بالانتماء إلى الجامعة: من عميد كلية الطب الذي كان يتعاطى المخدِّرات في غرف الفنادق مع رفقاء شباب، أحدهم تعرض لجرعة زائدة، إلى طبيب أمراض النساء المتهم بسوء السلوك الجنسي ضد مئات من طالبات USC، وفضيحة “فارسيتي بلوز” المتعلقة بالاحتيال وغسل الأموال، واستجابة الجامعة المحصنة والمبهمة لهذه الفضائح.
لكن بالنسبة لي، لا شيء يضاهي الشعور بالعار والاشمئزاز إزاء الأحداث التي وقعت في الأشهر الخمسة الماضية: الاعتقال العنيف لطلابنا، التهم التي وُجهت لهم بسبب التعدي على الحرم الجامعي، العقوبات الأكاديمية الصارمة، والإغلاق المستمر للحرم الجامعي.
من الصعب الهروب من الشعور بأن إداريي USC، الذين يقودهم الأمن، كانوا ينتظرون أزمة لتطبيق خطتهم القمعية. كما كتبت الناقدة الاجتماعية نعومي كلاين في كتابها الشهير “عقيدة الصدمة”: “بعد الأزمة، يجد وكلاء الأزمة أنه من الضروري التصرف بسرعة، لفرض تغيير سريع ولا رجعة فيه”.
تحول حرم USC إلى نموذج مصغر لـ “عقيدة الصدمة” التي تحدثت عنها كلاين: نوع من المختبر لما قد يبدو عليه محيط محصن ومدعوم بوجود وكالات أمنية خارجية.
من المؤكد أن رؤساء الجامعات الأخرى يراقبون من كثب تجربة USC؛ لمعرفة ما إذا كان هذا النوع من القمع سيصمد.
في قلب فلسفة USC القائمة على “الأمن أولًا”، يقف إيرول ساذرز، نائب الرئيس للأمن وضمان المخاطر. ساذرز هو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، ويرأس لجنة شرطة لوس أنجلوس، القوة التي اقتحمت معسكرات الطلاب السلمية في الربيع الماضي.
ساذرز هو أيضًا مؤلف كتاب “التطرف العنيف المحلي”. في تقرير لمركز الأمن الداخلي في USC، حذر ساذرز من أن المؤشرات المتطرفة تشمل “التعاطف القوي مع المسلمين الذين يُعتبرون ضحايا: (الفلسطينيين، العراقيين…)” وأن هذا التعاطف قد يؤدي إلى “حقد” ضد الولايات المتحدة.
توضح هذه العاصفة المثالية كيف يتم توجيه التدابير الأمنية ضد الطلاب الذين يسعون لزيادة الوعي تجاه مجازر إسرائيل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.