Login النشرة البريدية

 في مطلع الأسبوع الماضي سلمت لجنة نيجل لفحص ميزانية الدفاع وبناء القوة في الجيش الإسرائيلي، تقريرها النهائي إلى رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير الدفاع. وبعد بحث المخاطر والتحديات المرتقبة في العقد المقبل، أوصت بزيادة ميزانية الدفاع ابتداء من هذا العام، 9 مليارات شيكل (الدولار 3.7 شيكلات)، على أن تتراوح ما بين 9-15 مليار شيكل إضافية في كل سنة من السنوات الخمس المقبلة.

وبحسب ما نشرت الصحافة الإسرائيلية، فإن اللجنة أوصت بزيادة 133 مليار شيكل إلى ميزانية الدفاع خلال العقد المقبل.

وتثير هذه الزيادة المطلوبة مخاوف كبيرة في إسرائيل من تأثيرها على الاقتصاد، حيث يتوقع أن تعود ميزانية الدفاع لاستهلاك ما لا يقل عن 20% من الميزانية العامة. وهذا ما استثار على الفور ردود فعل سلبية حتى من محافظ بنك إسرائيل.

واعتبر الإعلام الإسرائيلي أن حدثين اقتصاديين حاسمين لمستقبل الاقتصاد، وقعا في وقت واحد تقريبًا:

  • تسليم تقرير لجنة نيجل.
  • وإعلان محافظ بنك إسرائيل أمير يارون سياسته الاقتصادية والنقدية.

وتظهر خلاصة توصيات لجنة نيجل أن ميزانية الدفاع ستقفز بنحو 30 مليار شيكل سنويًا، مرتفعة من مستوى 68 مليار شيكل، إلى حوالي 98 مليار شيكل، بزيادة أكثر من 42%. فإذا كانت اللجنة قد أوصت بزيادة تتراوح بين 9 إلى 15 مليار شيكل سنويًا، فإن هذه الزيادة تضاف إلى مبالغ أخرى تمت الموافقة عليها سابقًا.

فقد اقترح أعضاء لجنة نيجل إضافة 130 مليار شيكل إلى ميزانية الدفاع في السنوات العشر المقبلة، لتضاف إلى مبلغ 62.4 مليار شيكل أقرها رئيس الوزراء قبل ذلك كإضافة لبناء القوة، و60 مليار تم إقرارها لقسم إعادة التأهيل والعائلات الثكلى.

وبعد كل تلك الإضافات، سترتفع ميزانية الدفاع لعام 2025 من 64 مليار شيكل إلى 123 مليار شيكل. ورغم ذلك، وكما هو متوقع، يعتقد الجيش أن هذه الزيادة ليست كافية، رغم أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت واقعية في ظل الواقع الاقتصادي الحالي.

أما محافظ البنك المركزي فقد أعلن عن سياسته قائلًا: “منذ بداية الحرب، أكدت أنه، حتى لو كان ضرورة أن تزيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الحرب، فمن المهم للغاية تقييد مسار هذه الزيادة بحيث يؤدي إلى انخفاض حجم الدين في المستقبل. ومن المهم اعتماد تدابير بديلة من شأنها أن تمنع زيادة العجز المتوقع. وبهذه الطريقة يستطيع الاقتصاد السير على مسار تنازلي لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ابتداءً من 2026 فصاعدًا. من المهم أنه تترافق ميزانية الحكومة على أي زيادة في ميزانية الدفاع اعتبارًا من عام 2026، مع تدابير تعويضية تضمن مسارًا تراجعيًا كبيرًا ومستمرًا لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي”.

ويتوقع أن تصل نسبة الدين العام إلى 70% من الناتج الإجمالي في نهاية العام 2026.

وقد سلمت اللجنة التي يرأسها البروفيسور يعقوب نيجل تقريرها النهائي بعد 5 أشهر من تشكيلها، ما يعني أنها بدأت أعمالها في ظل الحرب وظهور الجيش ومتطلباته بأوضح صورة، وفي ظل ازدياد التقديرات بأن المهمة الكبرى للجيش من الآن فصاعدًا هي التصدي لإيران.

وقال بنيامين نتنياهو لدى تسلمه التقرير: “لقد عرفنا منذ سنوات أن إيران هي أكبر تهديد لنا، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها. ونحن ندرك أن هذا الخطر لا يزال قائمًا، وأن قوات إضافية تدخل المنطقة، وعلينا أن نكون مستعدين دائمًا لما هو قادم”.

واقترحت اللجنة حلًا مبتكرًا لمسألة استنزاف جنود الاحتياط، عبر إضافة 8000 وظيفة عسكرية جديدة “قصيرة الأجل” للجنود الذين يخدمون في جزء من التشكيل القتالي وتشكيلات التكنولوجيا والاستخبارات.

وامتنع التقرير عن تحديد مجموعات سكانية معينة مطلوبة للخدمة، لكن أعضاء اللجنة أشاروا إلى أن العرب والحريديم يمكن أن يساعدوا في تخفيف العبء. وبحسب اللجنة، فإن الخدمة الإلزامية المتساوية لجميع المواطنين هي مبدأ أساسي في المجتمع الإسرائيلي، حيث يتمتع جميع مواطني الدولة بحقوق وواجبات متساوية ويتعين عليهم تحمل عبء الخدمة.

وأوصت اللجنة بتسريع تنفيذ تمديد الخدمة الإلزامية إلى 36 شهرًا، بالإضافة إلى وضع أطر على أساس الخدمة قصيرة المدى، من أجل تخفيف العبء على نظام الخدمة الاحتياطية.

ورغم أن لجنة نيجل تعاملت بشكل أساسي مع مسألة “رأس المال البشري”؛ بمعنى الوظائف في الجيش، فإن الاهتمام الأكبر اتجه نحو قراءتها للمخاطر التي تتجاوز الحدود المباشرة؛ معتبرة أن الدائرة الرئيسية هنا هي إيران.

وأوصت اللجنة بتعزيز البنية التحتية الاستخباراتية ضد إيران وحلفائها، والتركيز على العمليات الاستباقية، وعزل الساحات؛ لتتمكن من العمل في عدة ساحات في نفس الوقت.

وأوصت اللجنة بتسخير كل الإضافات في الميزانية لصالح الانتقال من المفهوم الأمني ​​للاحتواء والحماية إلى مفهوم الوقاية والاستعداد. هذا إلى جانب بناء القدرات اللازمة للرد الفوري، وغير المتناسب في بعض الأحيان، والاستعداد لحرب وضربات استباقية.

وجاء في تقرير اللجنة أن الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ 16 شهرًا “كشفت عن الضعف النسبي في الاعتماد المفرط على المفهوم الدفاعي، الذي استعبد دولة إسرائيل لواقع الجولات المحدودة في مواجهة العدو، ما عزز قوة الأعداء على حدودنا”.

 بعد ذلك، كتبت اللجنة أنه “يجب على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يتبنى، إلى جانب الحفاظ على قدراته الدفاعية وحتى توسيعها، مفهوم العمليات الهجومية والوقائية، بطريقة تستخدم قوة الجيش الإسرائيلي ليس فقط للدفاع ضد التهديدات، ولكن من أجل إزالة التهديدات أثناء تشكيلها أو قبل ذلك”.

وتوصي اللجنة في التقرير بتسليح الجيش الإسرائيلي بميزانيات تصل إلى عدة مليارات من “الشيكلات”، لبناء منشآت تحت الأرض تكون مقاومة للهجمات الصاروخية من النوع الذي يتم تطويره في إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، توصي اللجنة بزيادة قوام الجيش بعشرات الآلاف من الجنود الإضافيين. الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع ستتطلب بالطبع زيادة في ميزانية الدولة – وكذلك نسبة العجز.

وكانت اللجنة قد أشارت في توصياتها المؤقتة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إلى سلسلة من التوصيات التي تركز على ضرورة زيادة العتاد في مجال التسليح، والأدوات المحمية على الأرض. وفي أذرع البحر والجو، وكذلك توصيات تتعلق ببناء القوة البشرية ومسؤولية الدولة تجاه الموظفين، مع توصية برفع المعايير في شعبة التأهيل بوزارة الدفاع؛، بسبب ارتفاع عدد الجرحى في الحرب.

وتوصي اللجنة بشكل واضح بإعطاء الأولوية لشراء طائرات التزود بالوقود وتحسين الاستعداد لرحلات أكثر تكرارًا يزيد مداها عن 1000 كيلومتر. كذلك البدء في عملية تجهيز سربين أو 3 أسراب من الطائرات المقاتلة الحديثة، وهو الأمر الذي يتطلب قرارًا حكوميًا، حيث تتراوح التكلفة المباشرة لكل سرب بين 1.5 إلى 2 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، توصي اللجنة بشراء سرب آخر من طائرات الهليكوبتر القتالية في أسرع وقت ممكن كجزء من الحاجة إلى تعزيز الدفاع عن الحدود.

وكان هامًا في توصيات لجنة نيجل الجانب الفكري المتعلق بنظرية الأمن والحرب الإسرائيلية، مطالبة بـ”الانتقال من مفهوم “الاحتواء” والحماية إلى مفهوم “الوقاية” والاستعداد، إلى جانب بناء القدرات للاستجابة الفورية، وحتى غير المتناسبة أحيانًا، في إشارة محتملة إلى تعديل المفهوم الأمني ​​الإسرائيلي الذي يستند إلى 3 أعمدة: الردع، والإنذار، والحسم.

ويرى كثيرون أنه لم يعد كافيًا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، الاستناد إلى مفهوم الردع، بل صار ضروريًا اللجوء إلى الضربات الوقائية. وشدد التقرير على أن “كارثة 7 أكتوبر/ تشرين الأول لم تحدث بسبب نقص الميزانية، ولا بسبب حجم الجيش”، لكنه أضاف أن “الحرب الطويلة زادت من حدة الاحتياجات والفجوات والمشاكل المتوقعة التي لا يمكن تجاهلها والتي لا ينبغي الوصول إليها، خاصة في مجال بناء القوة، وحجم “الاستعداد”.

وينص التقرير أيضًا أنه في ظل أحداث 7/10، لا بد من القيام بـ “إدارة المخاطر”، أي الأخذ بالحد الأدنى من هامش الخطأ المسموح به في كل قطاع، وأنه لا يمكن الاعتماد على منطقة تحذير استخباراتية فقط لغرض الاستعداد العملي. وتتعارض هذه التوصيات مع السياسة التي اتبعها رئيس الوزراء نتنياهو في السنوات الأخيرة ونهج “إدارة الصراع” الذي قاده.

وفي الإجابة عن سؤال: من أين يأتي المال المطلوب؟ يقول التقرير: إن 52% من ميزانية الدفاع حاليًا تذهب للاستعداد للعمل في الدائرة الثالثة، وفي الدفاع الجوي (26% لكل منهما)، وبنسبة أقل لأمور مثل الاحتياطيات والكفاءة (13%)، حماية الحدود (4%)، والاستقلالية التسليحية والتكنولوجية (1%).

وترى اللجنة أن ثمة حاجة لزيادة الاستعداد لمواجهة الدائرة الثالثة إلى 29%، فيما تصبح ميزانية الدفاع الجوي 20%، وحماية الحدود 6%، والاستقلالية التسليحية 6%. وهذا يعني أن الزيادة في المكونات الأخرى ستأتي على حساب الدفاع الجوي الذي سيهبط إلى 20%، والاستثمار في القوة البشرية الذي يهبط إلى 15%، والاحتياطات والكفاءة 19%.

وتقترح اللجنة أن تتم تغطية 3 مليارات شيكل من المليارات التسعة المقترحة في الزيادة السنوية من مبلغ الـ 16 مليار شيكل التي سبق أن أقرت زيادتها على ميزانية الأمن الجاري المعزز.

وتوصي اللجنة بزيادة نسبة العجز في الميزانية بنسبة 0.5%، وعدم فرض ضرائب جديدة غير التي تقررت، وتمويل جزء آخر من احتياطيات قاعدة الميزانية، وفي السنوات المقبلة من زيادة نسبة النمو ومصادر أخرى.

لكن خبراء اقتصاد في إسرائيل يعتبرون أن توصيات لجنة نيجل أشعلت العديد من المصابيح الحمراء بخصوص الاقتصاد الإسرائيلي. فهذا التقرير الذي أعقبه إقرار الميزانية العامة بعد مرور أسبوع واحد فقط على بداية عام 2025، يدفع البعض لتصور أن المراسيم التي دخلت حيز التنفيذ تشكل “الحساب النهائي” الذي سينجم عن التكاليف الباهظة للحرب.

لكن هذا ليس هو الحال حقًا، فقد حذرت وزارة المالية أيضًا عدة مرات من أن زيادة ميزانية الدفاع دون مصدر تمويل مستقر سيكون مكلفًا للمواطن البسيط.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذر كبير الاقتصاديين في وزارة المالية من أن زيادة 10 مليارات شيكل إضافية لميزانية الدفاع، ستكلف الأسرة المتوسطة نحو 4 آلاف شيكل سنويًا. وستنعكس هذه التكلفة، في زيادة الضرائب وتقليص الخدمات العامة وفقدان دخل الأسر.

ويهدد ارتفاع الإنفاق الدفاعي بزيادة نسبة الدين إلى الناتج وإعادة البلاد إلى الأيام التي تلت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي اتسمت بانخفاض الإنفاق المدني والاستثمارات في الاقتصاد. وهذه خطوة خطيرة في بلد لديه حكومة تعجز عن إجراء تعديلات جوهرية في الميزانية العامة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version