Login النشرة البريدية

أصدر البروفيسور ديدييه فاسين الأستاذ في كلية فرنسا “كوليج دو فرانس” كتابا جديدا بعنوان “هزيمة غربية”، درس فيه أسباب الموافقة الغربية على إبادة الأرض الفلسطينية، ورأى أنها أعمق هاوية أخلاقية سقط فيها العالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية.

وقال موقع “ميديابارت” إن كتاب هذا الأستاذ الذي يتولى كرسي “الأسئلة الأخلاقية والقضايا السياسية في المجتمعات المعاصرة”، يتردد صداه الآن بالتزامن مع الهجوم الدموي الجديد الذي يشنه الجيش الإسرائيلي على شمال قطاع غزة الفلسطيني، ولكنه استقبل هو الآخر بصمت مريب من قبل حكومات العالم الغربي، ولذلك أجرى الموقع حوارا معه نلخصه فيما يلي:

انطلق ديدييه فاسين -في الحوار الذي أجراه معه جوزيف كونفافرو- من أنه من غير الممكن إقناع المدافعين عن سياسة الحكومة الإسرائيلية القاتلة، الذين اتهموا المطالبين بوقف إطلاق النار بمعاداة السامية، ولذلك فهو يريد أن يقدم عناصر توضيحية لكثير من الناس الذين لديهم أسئلة حول ما حدث خلال العام الماضي، ممن يودون أن يفهموا لماذا سمح العالم الغربي للجيش الإسرائيلي بتدمير غزة والقضاء على سكانها، ولماذا لم يرد عندما قُتل الأطفال ودُمرت المستشفيات وقصفت المدارس وقتل الصحفيون، ولماذا حظر المظاهرات التي طالبت باحترام القانون الدولي، مع أن إسرائيل انتهكت القانون دون عقاب.

وأوضح فاسين أنه ألف هذا الكتاب لأنه بدا له من المستحيل أن نبقى صامتين في مواجهة ما قد يُعَد أعمق هاوية أخلاقية سقط فيها العالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي -كما يقول- أراد إنتاج أرشيف للأشهر الستة الأولى من الحرب في غزة، من أجل ترك أثر للمستقبل.

تكفير عن المحرقة!

وعند السؤال عن كون الموافقة في أوروبا على سحق غزة ربما تكون نوعا من التكفير عن المحرقة، تساءل المؤلف: لماذا يجب أن يدفع الفلسطينيون ثمن الجرائم التي ارتكبها الأوروبيون على مدى قرون حتى بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية لليهود، وكيف يمكن للعالم الغربي أن يخلص نفسه من مسؤولياته في تدمير يهود أوروبا من خلال دعم تدمير الفلسطينيين في غزة؟.

وأشار ديدييه فاسين إلى أن استحضار المحرقة في ألمانيا يهدف إلى التعتيم على المزيد من قضايا السياسة الدولية التافهة، والاستحضار هو مسألة جيوإستراتيجية، لأن إسرائيل تعتبر مخفر العالم الغربي في الشرق الأوسط، وهو مسألة اقتصادية لدعم إنشاء سوق إقليمية كبيرة ودعم الجهاز الصناعي العسكري الدولي، كما أنه مسألة أيديولوجية، يتصدرها صعود العنصرية المعادية للعرب والمسلمين في سياق نمو الحركات الإسلامية العنيفة في كثير من الأحيان.

نسخة رسمية

وعند سؤاله كيف تم نشر شرطة الفكر واللغة لمنع الناس من رواية حقيقة ما يحدث في غزة؟ رد الكاتب بأنه تم إنشاء نسخة رسمية من الحقائق في وقت مبكر جدا من قبل الحكومات، فتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول باعتباره “أكبر مذبحة معادية للسامية في القرن” واستحضر “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” واقترح إرسال جنود إلى غزة كجزء من “تحالف” مماثل لذلك الذي قاتل تنظيم الدولة الإسلامية، لتصبح هذه اللغة مقبولة في الفضاء العام.

ومع أنه لم تكن هناك “حرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية -حماس” -كما يقول الأستاذ- بل كانت حربا على الفلسطينيين، بدأت قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأصبحت شاملة بعد ذلك التاريخ.

وأوضح صاحب كرسي “الأسئلة الأخلاقية والقضايا السياسية في المجتمعات المعاصرة”، أن صيغة “الحرب بين إسرائيل وحماس” التي هيمنت على فترة ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول “مضللة بشكل مضاعف”، أولا، لأنها تمحو التاريخ الذي سبق هجمات حماس، حيث قام الإسرائيليون تدريجيا بتجريد الفلسطينيين، من أراضيهم وممتلكاتهم وحقوقهم، وثانيا، لأنها تحجب خطابات القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الذين أعلنوا على الفور أنه لم يكن هناك فلسطينيون أبرياء، وأنهم بأكملهم مسؤولون، وأنه كان من الضروري إزالة قطاع غزة من على وجه الأرض، وأنه من الضروري تخيير سكانه بين “البقاء والموت”، و”الجوع أو الرحيل”.

الإنكار الحقيقي

وهل التقليل من شأن إبادة غزة والتسامح معها يساويه إنكار لواقع 7 أكتوبر/تشرين الأول؟ سؤال يرد عليه الكاتب بالقول إن طوفان الأقصى كان بمثابة صدمة كبيرة للإسرائيليين ولجزء كبير من اليهود في الشتات حول العالم، وذلك بسبب انتهاء الإيمان بالقدرة العسكرية المطلقة للجيش الإسرائيلي، والكشف عن عدم كفاءة حكومة إسرائيل.

وأدى ذلك إلى ظهور مظاهرات التأييد لإسرائيل في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الدول الغربية، التي سارع قادتها إلى التوجه إلى إسرائيل لطمأنة حكومتها على دعمهم غير المشروط، وانشغلت وسائل الإعلام الرئيسية طيلة الحرب بمناقشة الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي في أعقاب هذا اليوم المأساوي، وتجاهلت خلال 12 شهرا ما يحدث في قطاع غزة من الوحشية غير المسبوقة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي.

وسائل الإعلام والعالم الأكاديمي

أما بالنسبة لوسائل الإعلام الرئيسية، فقد قامت -في كلا البلدين في كثير من الأحيان- بتطوير معلومات مؤيدة للمنظور الإسرائيلي، مع اختلاف مهم وهو أن قنوات التلفزيون والإذاعة العامة في فرنسا عانت من ضغوط السلطة السياسية، في حين أن الولايات المتحدة لا يوجد عمليا فيها سوى منافذ صحفية خاصة.

أما العالم الأكاديمي الذي يفترض أن يكون مساحة للمناقشة التأملية، فقد تأثر بقوة -كما يقول الأستاذ- وأصبحت المناقشة صعبة، لأنه بدلا من تبادل الحجج العلمية، كثيرا ما نرى هجمات تتم من خلال محاولة تشويه سمعة المعارضين، وخاصة من خلال إدانة كل أشكال التفكير النقدي باعتبارها مشاركة في معاداة السامية.

ومع ذلك، يقول فاسين، في المحاضرات التي ألقيتها وفي المناقشات العامة التي شاركت فيها كثيرا ما أذهلني الاهتمام بتحليل الوضع وبالدفاع عن القانون والعدالة، وشعرت أن لدى الطلاب والأكاديميين كما لدى المواطنين، رغبة في التحرر من قيود شرطة اللغة والفكر، وطلبا للتأمل فيما حدث خلال العام الماضي، وهو ما يبدو ضروريا بالنسبة لي.

وقال: إذا كان هناك تهديد وجودي، فهو يتعلق فقط بالفلسطينيين الذين تستمر أراضيهم في التقلص تحت تأثير الاستيطان والتدمير، وكما كتب عالم اجتماع إسرائيلي، إذا حاول الفلسطينيون التفاوض يتم تجاهلهم، وإذا تمردوا يتم سحقهم، وفي الكارثة الحالية، نتمسك بنموذج جنوب أفريقيا باعتباره النموذج الوحيد الذي يسمح لنا بتصور وسيلة للخروج من الكراهية العميقة الجذور بين شعب أصلي وشعب محتل.

شاركها.
Exit mobile version