Login النشرة البريدية

ياسر البنا- غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مكث محمد نبهان 17 يوما من دون غسيل كلى، جراء الاجتياح الإسرائيلي لمدينة غزة واقتحام مستشفى الشفاء، وهو ما عرضه لخطر الموت.

آنذاك، قرر نبهان (33 عاما)، المصاب بالفشل الكلوي منذ عام 2012، النزوح إلى محافظة وسط قطاع غزة للحصول على جلسات غسيل الكلى في مستشفى شهداء الأقصى.

وأقام نبهان في الشارع وفي ممرات مستشفى الشفاء نحو 3 أشهر، فالتواجد قرب المستشفى مسألة حياة أو موت بالنسبة له، إلى أن حصل على خيمة داخل مركز إيواء قريب من المستشفى.

وحتى اليوم، يقيم نبهان بجوار المستشفى كي يتلقى جلسات غسيل الكلى، إلا أن حالته الصحية قد ساءت كثيرا.

فعلى مدار الشهور الماضية، اضطرت إدارة المستشفى إلى تقليص جلسات غسيل الكلى للمرضى، كي تتمكن من تقديم الخدمة لأعداد كبيرة من المرضى النازحين من شمال القطاع وجنوبه.

كذلك يعاني نبهان كثيرا من نوعية الطعام المتاح الذي يحصل عليه من “تكية” مركز الإيواء، والتي تقتصر غالبا على البقوليات وصلصة البندورة والمعلبات، مؤكدا أنها مؤذية لمرضى الفشل الكلوي.

لا علاج لمرضى السرطان

قبل الحرب، كانت اعتدال البس (60 عاما)، المريضة بسرطان القولون منذ عام 2015، تجري فحوصات دورية كل 3 أشهر في مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي الخاص بمرضى السرطان، بالإضافة إلى تلقيها مجموعة من الفيتامينات اللازمة.

لكنها منذ بداية الحرب قبل 15 شهرا لم تجرِ أي فحوصات ولم تتلق أي علاج لمرضها.

ودمرت إسرائيل في الحرب مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني الواقع جنوبي مدينة غزة، بالإضافة إلى عشرات المراكز الطبية والمستشفيات.

ومنذ بداية الحرب، لا يتوفر لمرضى السرطان العلاج اللازم وينتظر أغلبهم السفر للعلاج في الخارج.

وأدى فقدان الفحوصات والعلاج إلى تردّي حالة اعتدال النفسية كما تقول؛ فهي تشعر بالقلق الشديد على صحتها، وخاصة مع اضطرارها إلى تناول أطعمة غير صحية وخاصة المعلبات.

قلب وسكري بلا علاج ورعاية

وكغيرها من أصحاب الأمراض المزمنة، تنتظر عائشة البُرعي (65 عاما) انتهاء الحرب، لاستئناف الحصول على الرعاية الخاصة بمرض القلب الذي تعاني منه منذ 11 عاما.

وأصيبت عائشة بتضخم في القلب بالإضافة إلى توسع خطير في الشريان التاجي.

وبسبب الحرب، لم تجرِ أي فحوصات ولم تزر الطبيب على مدار 15 شهرا الماضية.

وأدى سوء التغذية والحالة النفسية القاسية إلى نزول وزن عائشة من 83 كيلوغراما إلى 54 فقط.

أما عدنان حسونة (65 عاما) فيعاني من مرضي السكري وارتفاع ضغط الدم، كما تعاني زوجته سميرة من مرض الفشل الكلوي.

ويقول عدنان إن مرضى السكري يواجهون معضلة كبيرة تتمثل في اعتماد علاجه على الحمية الغذائية، وهو أمر متعذر حيث يتكون معظم الطعام الذي تسمح إسرائيل بدخوله من النشويات كالخبز والبقوليات.

ويضيف أن قلة العلاج وسوء التغذية تسبب بإصابته بأحد مضاعفات السكري الشائعة والمتمثلة في خدر القدمين.

وإلى جانبه، تشكو زوجته من مرض الفشل الكلوي فتقول إنها تركت أولادها في مدينة غزة ونزحت إلى دير البلح لتوفر خدمة غسيل الكلى في مستشفى شهداء الأقصى.

ديمة وأمير.. مأساة من نوع آخر

تعاني ديمة جاد الله (14 عاما)، وشقيقها أمير (5 سنوات)، من نوع مختلف من الأمراض المزمنة، وهو الشلل الناجم عن ضمور العضلات.

ويحتاج الشقيقان إلى بيئة صحية خاصة، نظرا لضعف مناعتهما، بالإضافة إلى العلاج الطبيعي المكثف والتغذية وأدوية خاصة.

لكنّ والدهما أيمن وجد نفسه في وضع مرعب بعد اضطراره إلى النزوح المتكرر من مكان إلى آخر بهدف النجاة بأسرته من حرب الإبادة الإسرائيلية.

وينام الطفلان ديمة وأمير على أرضية الخيمة المكونة من الرمال المغطاة بقطعة من النايلون، وهو ما تسبب بإصابتهما بتقرحات وأمراض جلدية.

وتتعدد أوجه معاناة أيمن مع طفليه، بدءا من غياب جلسات العلاج الطبيعي، ومرورا بعدم قدرته على شراء “الحفاظات” واستبدالها بقطع القماش، وغياب التغذية الصحية والعلاج، وليس انتهاء بمشكلة المرحاض المشترك مع العديد من العائلات.

وتسببت الحرب بتردّي الحالة النفسية للطفلين جراء أصوات الانفجارات، فكثيرا ما يصابان بالفزع الذي يؤدي إلى “التبول اللاإرادي”.

ويختم أيمن حديثه بالقول إن “الولدين انتكسا، بعد الحرب سأبدأ معهم من تحت الصفر مجددا”.

واقع الأمراض المزمنة في شمالي القطاع

تبدو مأساة أصحاب الأمراض المزمنة في شمال القطاع (مدينة غزة ومحافظة الشمال) أكبر بكثير من منطقة الوسط والجنوب، جراء تركيز الاحتلال لعدوانه هناك.

وتلفت الطبيبة عُلا النجار، مديرة دائرة الأمراض المزمنة بوزارة الصحة بشمالي القطاع، إلى أن الاحتلال دمّر 8 مراكز “رعاية أولية” مختصة بعلاج الأمراض المزمنة من أصل 14.

وتوضح -في حديث للجزيرة نت- أن هذا الأمر أضعف جودة الخدمة المقدمة للمرضى كثيرا، ولفتت إلى زيادة الإصابة بمضاعفات الأمراض المزمنة، مثل جلطات الدماغ والقلب ومشاكل الكلى.

كذلك أوضحت أن سوء التغذية جراء عمليات التجويع الإسرائيلية يفاقم أوضاع الأمراض المزمنة.

وتطرقت إلى تفاقم أوضاع المرضى النفسيين، بعد تدمير إسرائيل للمستشفى الوحيد الذي يخدمهم، مؤكدة عدم وجود أي جهة ترعى هذه الفئة حاليا.

كما لفتت إلى عدم توفر أي طبيب خاص بأمراض السرطان في شمال القطاع.

350 ألف مريض

يكشف الدكتور خليل الدقران المتحدث باسم وزارة الصحة بقطاع غزة أن عدد أصحاب الأمراض المزمنة في قطاع غزة يصل إلى نحو 350 ألف شخص.

ويقول للجزيرة نت إن جيش الاحتلال يحرمهم من الخدمة الطبية من خلال منع وصول الأدوية وإغلاق المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، وهو ما تسبب بوفاة أعداد كبير منهم.

ولفت إلى أن مخزون الأدوية انخفض بنسبة 75%، في حين نفد نحو 80% من الأدوية المنقذة للحياة.

وذكر أن الاحتلال دمر 82 مركزا صحيا من أصل 90، وأخرج 72 مستشفى عن الخدمة في مناطق القطاع كافة.

وقال إن قدرة وزارة الصحة على إجراء التحاليل الطبية لأصحاب الأمراض المزمنة محدودة جدا، نتيجة عدم توفر المستلزمات الخاصة بالمختبرات.

وتطرق إلى معاناة مرضى السرطان بشكل خاص، فقال إن عددهم يبلغ نحو 12 ألفا و500 مريض، بينهم 2500 طفل، لا يحصلون على الخدمة الصحية اللازمة، بعد نفاد نحو 90% من العلاج الخاص بهم.

شاركها.
Exit mobile version