بينما كانت أجهزة البيجر تنفجر في أجساد اللبنانيين يوم الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول، زار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قاعدة رامات ديفيد الجوية، أكبر القواعد في المنطقة الشمالية وواحدة من ثلاث قواعد جوية رئيسية في دولة الاحتلال، وأعلن من هناك أن “مركز الثقل يتحرك شمالا”، مُدشِّنا ما أطلق عليها “مرحلة جديدة من الحرب”.
في اليوم التالي الموافق 19 سبتمبر/أيلول، شنَّت إسرائيل الغارات الأكثر كثافة على لبنان منذ بدء الحرب على غزة قبل نحو عام، وربما تكون هي الغارات الأشد وطأة منذ سنوات طويلة وفق تأكيدات مصادر لبنانية لوكالة “رويترز”.
اقرأ أيضا
list of 2 items
يوم اتحد السُّنة والشيعة في العراق لقتال الإنجليز
هل سيشعلها حزب الله؟
end of list
استهدفت الضربات قرى الجنوب اللبناني، عدشيت القصير وقبريخا وبني حيان ومركبا ورب ثلاثين ومجادل ومحرونة، حيث يعيش مئات الآلاف من الناس، كما حلَّقت طائرات حربية إسرائيلية فوق العاصمة بيروت مُتعمِّدة اختراق حاجز الصوت في غارة وهمية تهدف إلى إرهاب سكان العاصمة.
استمر القصف يوميا بلا توقف منذ ذلك الحين، وفي يومي الأحد والاثنين 22 و23 سبتمبر/أيلول، أصبحت الغارات أكثر غزارة وعنفا، وأعلن جيش الاحتلال أن المقاتلات هاجمت نحو 1300 هدف لحزب الله في الجنوب والشرق اللبناني. وجاءت هذه الخطوات التصعيدية متسقة مع تصريحات القادة الإسرائيليين والتحركات المتزامنة لجيش الاحتلال باتجاه الجبهة اللبنانية التي تسارعت خلال الأسبوعين الأخيرين.
فحتى قبل إطلاق تفجيرات البيجر واللاسلكي، أرسل جيش الاحتلال الإسرائيلي الفرقة 98 التي تضم ما يقرب من 10,000 إلى 20,000 جندي من الكوماندوز والمظليين إلى الشمال، لتنضم إلى الفرقة المدرعة 36، التي أعاد جيش الاحتلال نشرها من غزة شمالا في وقت سابق من هذا العام.
إلى جانب هذه الوحدات، يضم جيش الاحتلال الفرقة 91، وهي الفرقة الرئيسية المسؤولة عن تأمين الحدود الإسرائيلية مع لبنان، فضلا عن القوات الاحتياطية لهذه الوحدات.
وفي غضون ذلك، زار قائد الجبهة الشمالية أوري غوردين تدريبا أجراه جنود احتياطيون من اللواء 179 الأسبوع الماضي، سبقه تدريب آخر للواء 769 (حيرام)، وقد ركَّز كلا التدريبين على محاكاة القتال في لبنان.
تطرح هذه التحركات تساؤلات حول مستقبل الصراع على الجبهة اللبنانية خلال الأيام والأسابيع التالية، ويخشى مراقبون أن تفجيرات البيجر كانت مقدمة إسرائيلية تهدف إلى إرباك حزب الله قبل تنفيذ سيناريو اجتياح شامل للجنوب اللبناني، وربما للبنان بأكمله بما يشمل العاصمة بيروت كما يطالب الجناح الأكثر تعصبا في حكومة وجيش الاحتلال، وهو ما يُنذر باندلاع حرب إقليمية تتجاوز حدود لبنان نفسه كما يرجّح خبراء.
في المقابل، تُسابق الجهات الإقليمية والدولية التي تخشى تبعات الحرب الزمن لاحتواء التصعيد قبل أن تصبح المواجهة الشاملة بين إسرائيل وحزب الله أمرا واقعا، وهي مواجهة سوف يكون لها تداعيات أوسع بكثير من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة التي تُشارف على إكمال عامها الأول.
طريقتان للحرب
في دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) صدرت في مارس/آذار 2024، بعد أكثر من 5 أشهر على عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على غزة، خلص الباحثون إلى أنه في ضوء المشهد الإستراتيجي المتغير وقدرات حزب الله المتطورة، فإن هناك خيارين أمام إسرائيل للتعامل مع الجبهة اللبنانية عسكريا، وهما الانخراط في حرب محدودة مع حزب الله للضغط عليه وشغله على مدى زمني طويل، أو خوض حرب شاملة ضد الحزب في محاولة من الاحتلال لتدمير قدراته بضربة حاسمة.
تعني الحرب المحدودة استمرار الصراع دون مستوى الحرب الشاملة، ولكن مع وجود ضربات إسرائيلية دقيقة تستهدف باستمرار قدرات حزب الله البشرية والمادية وبنيته التحتية، ومع توالي ردود أفعال الحزب على الضربات، تتطلب هذه الخطة استمرار وتيرة الضربات الإسرائيلية بمعدل زمني وقوة متناسبين، ويضمنان أن يكون فارق الخسائر في صالح إسرائيل وليس في صالح حزب الله.
يتضمن سيناريو الحرب المحدودة قيام الاحتلال بغارات جوية إسرائيلية منتظمة بالقرب من الحدود، مع استمرار استهداف قادة حزب الله.
في المقابل سيستمر الحزب في المقاومة وإطلاق صواريخه على البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية عبر الحدود بشكل يتناسب مع حجم الضربات الإسرائيلية، سواء بالضرب في العمق بالصواريخ ذات المدى المناسب، أو عبر شن هجمات بالصواريخ وقذائف الهاون على المواقع الإسرائيلية القريبة من الحدود، أو استهداف الدبابات الإسرائيلية القريبة، على أن تُعاير الهجمات بدقة بحيث لا تتخطى السقف الذي يدفع إسرائيل إلى تخطي الحاجز الفاصل بين الضربات الموجَّهة والمواجهة الشاملة.
وبحسب خبراء في هذا النطاق، فإن الهجمات الإسرائيلية في هذه الإستراتيجية سوف تركز على المناطق التي يهيمن عليها حزب الله في جنوب لبنان، وضاحية بيروت، ووادي البقاع، بُغية تحقيق عدة أهداف على رأسها تعطيل الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من انخفاض قيمة العملة، ما سيسبب بالتبعية ضغطا سياسيا على حزب الله، إلى جانب دفع أنصار الحزب نحو مناطق أخرى من البلاد يمكن أن تشهد زيادة في التوترات الاجتماعية بوجودهم.
لكن بعض المحللين يعتبرون أن ذلك قد يكون رهانا خاسرا، لأن من الصعب التنبؤ بالطريقة التي يتصرف بها اللبنانيون حين يعتقدون أن بلادهم تتعرض لحرب من قِبَل إسرائيل.
هدف آخر محتمل للضربات الإسرائيلية هو إجبار حزب الله على فك الارتباط بين جبهة لبنان وجبهة غزة، حيث يربط الحزب بين إيقاف هجماته وبين وقف إطلاق النار في القطاع.
ويُعد تحقيق هذا الهدف أيضا بعيد المنال، في ظل التشابك بين الجبهتين منذ بدأت الحرب، والثمن السياسي والعسكري الباهظ للتراجع في الوقت الراهن. وقد خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بنفسه مؤخرا لوأد هذا السيناريو في مهده، مشددا أن جبهة لبنان سوف تظل مرتبطة بجبهة غزة “مهما كانت الخسائر والتضحيات”.
حرب شاملة.. الضربة الأولى
يتمثَّل الخيار العسكري الثاني في شن حرب إسرائيلية شاملة على لبنان. وإذا بدأت حرب واسعة فمن المرجح أن يركز جيش الاحتلال على ملاحقة مواقع حزب الله الصاروخية ومواقع انطلاق المسيرات.
ورغم أن إسرائيل ستستهدف قيادة حزب الله والمواقع العسكرية في بيروت وفي وادي البقاع، فمن المرجح أن تركز معظم جهودها على وجود حزب الله بالقرب من الحدود، ومحاولة دفع مقاتليه بعيدا عنها، ربما إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني، الذي يبتعد عن حدود الاحتلال مسافة نحو 30 كيلومترا.
من المرجح أن تكون الخطوة الأولى لجيش الاحتلال في هذا السيناريو هي حملة جوية ضخمة تهدف إلى تدمير قدرات حزب الله الصاروخية ومراكز القيادة. في الواقع، هناك تصورات بأن الغارات الجوية الحالية تُعد مقدمة لتلك الحرب الشاملة.
وفي حال صحَّت هذه التوقعات، فمن المتوقع أن ينفذ سلاح الجو الإسرائيلي ضربات على مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ ومراكز القيادة وشبكات النقل مستخدما الذخائر الموجَّهة بدقة، وربما تكون تلك الضربات الجوية مصحوبة بهجمات صاروخية من البحر اعتمادا على البيانات الاستخباراتية القادمة من المسيرات والأقمار الصناعية والمصادر الأرضية، لتحديد مستودعات الصواريخ وقاذفاتها ومراكز القيادة التابعة لحزب الله.
وتهدف هذه الضربات الأولية إلى تحقيق أكبر دفعة ممكنة قبل أن يتمكن الحزب من الرد. لكن مراقبين يشككون في اقتصار جيش الاحتلال على هذه الأهداف العسكرية، والتي عادة ما يصاحبها استهداف لمدنيين تحت ذريعة استهداف مواقع عسكرية تماما كما جرى في استهداف مستشفى المعمداني ومستشفى الشفاء في غزة، وذلك لتشكيل ضغط مستمر على الحاضنة الشعبية.
لكن هل ستنجح هذه الضربات في هدفها؟ يكمن جزء كبير من قدرة حزب الله على محاربة خصم أقوى في العدة والعتاد في قدرته على استخدام تكتيكات مرنة، فمثلا مع حملة قصف جوي على منطقة ما تتمكن القوات المدافعة من خفض استخدام نقاط التفتيش وتقليص حركة القوات على الأرض، ويمكن للقوات أن تتخذ تشكيلات مختلفة في وقت قصير بناء على المعلومات المتاحة.
بدورها، تتمتع منصات إطلاق الصواريخ الخاصة بالحزب بمرونة مماثلة بفضل أربع سمات تُشكِّل نقاط قوتها، الأولى أنها متنقلة، يمكن تحريكها وإعادة وضعها بسرعة؛ مما يجعل من الصعب على قوات الخصم تعقبها واستهدافها، والثانية أنها يمكن استخدامها في مختلف التضاريس، والثالثة أنه يسهل إخفاؤها وإخفاء مواقع تخزينها، والمزية الرابعة أن تدريب القوات وطبيعة المنصات يسمحان بالانتشار السريع لإطلاق الصواريخ والقذائف.
في الحقيقة، تدرك إسرائيل مزايا المرونة الفائقة التي يتمتع بها حزب الله حتى تحت أشرس الضغوط.
في تقرير بعنوان “النار والدم: الواقع المخيف الذي تواجهه إسرائيل في حرب مع حزب الله”، أصدرته جامعة “رايخمان” الإسرائيلية في وقت مبكر من العام الحالي، توقع المحللون أن تستمر الضربات الصاروخية من حزب الله (وحلفائه) بمعدلات تتراوح بين 2500-3000 صاروخ وقذيفة يوميا لأسابيع متتالية، بما في ذلك الصواريخ الأقل دقة والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، مستهدفة المواقع العسكرية الإسرائيلية، فضلا عن المدن ذات الكثافة السكانية العالية في وسط البلاد.
اعتمد التقرير على التقديرات التي أشارت إلى أن حزب الله أطلق خلال حرب 2006 التي استمرت 34 يوما نحو 4000 صاروخ، أي بمعدل يومي بلغ 117 صاروخا، ثم قيست معدلات تلك الضربات وقورنت بما يمتلكه حزب الله في ترسانته الصاروخية حاليا.
وتشير التقديرات إلى أن الحزب بات يملك ما بين 120-200 ألف صاروخ، تتنوع في مداها وقدراتها، وهي تشمل مئات الصواريخ الدقيقة ذات القدرة التدميرية العالية، فضلا عن الدعم الذي سيتلقاه الحزب من حلفائه في ظل وجود خط إمداد مفتوح عبر سوريا والعراق وصولا إلى إيران نفسها.
في عام 2006، كانت حيفا، ثالث أكبر مدينة في الأراضي المحتلة، في مرمى صواريخ حزب الله، وهذه المرة من المتوقع أن تصل هذه الصواريخ إلى عمق أكبر داخل إسرائيل.
ويمكن لإطلاق القذائف بهذا المعدل أن يتحدى التكنولوجيا الإسرائيلية بشكل لم يسبق له مثيل، وربما يستنفد مخزون صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية وصواريخ مقلاع داود في غضون أيام قليلة من القتال، مما يترك إسرائيل عرضة لآلاف الصواريخ والقذائف دون دفاع نشط فعال.
وفي هذا السياق سيحاول حزب الله تخفيف وتيرة الضربات الجوية عليه عبر توجيه الصواريخ الثقيلة والدقيقة نحو مسارات إقلاع الطائرات الحربية الإسرائيلية.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، من المرجح أن تجبر الدفاعات الجوية لحزب الله الطائرات الإسرائيلية على التحليق على ارتفاعات أعلى، مما يقلل من قدرتها على ضرب الأهداف على الأرض بدقة، وسيُعد إسقاط حزب الله مقاتلة إسرائيلية مأهولة بنجاح حدثا إستراتيجيا مُهما لا يمكن استبعاد وقوعه.
وفي النهاية، ورغم تمتع إسرائيل بتفوق جوي كبير حتى في وجود منظومات حزب الله الدفاعية، فإن هذه الدفاعات النشطة سوف تؤخر انتشار قوات جيش الاحتلال بريا بشكل كبير.
تكتيكات “التخريب”
يشرح تقرير جامعة “رايخمان” أن صواريخ حزب الله من المرجح أن تستهدف البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الطاقة والبنية التحتية للكهرباء ومرافق تحلية المياه ونقلها، كما ستصاب الموانئ البحرية في حيفا وأسدود بالشلل.
ويبدو أن الاحتلال يخطط لاتباع نمط “تخريب” شبيه، وهو أمر غير مألوف في الحروب النظامية، ويخبرنا به تصريح عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي السابق بيني غانتس خلال الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر/أيلول الحالي حينما قال: “يمكننا أن نُغرق لبنان بالكامل في الظلام ونفكك قوة حزب الله في غضون أيام”.
في الواقع، فإن هجمات البيجر تعطينا لمحة عن تكتيك مختلف للحروب غير المتكافئة من المرجح أن تستخدمه قوات الاحتلال في هذه الحرب.
وبحسب موقع “المونيتور” الأميركي، فإن خطة الاحتلال الأصلية كانت تقضي بتفجير الأجهزة في حال اندلاع حرب شاملة مع حزب الله من أجل تحقيق تفوق إستراتيجي عن طريق بث درجات عالية من القلق في جوانب لبنان حينما تنفجر الأجهزة، ولكن معلومات استخباراتية أفادت بأن اثنين من أعضاء حزب الله اكتشفا اختراق الأجهزة، فعجَّلت إسرائيل بتفجيرها.
وفيما يبدو، فإن فكرة تعطيل نمط الحياة اليومي في لبنان ربما تكون هدفا أساسيا لجيش الاحتلال في هذه الحرب، وربما تدخل الهجمات السيبرانية بوصفها سلاحا رئيسيا.
كذلك استخدمت إسرائيل تاريخيا تكتيكات الحرب النفسية، مثل إسقاط المنشورات أو بث الرسائل إلى السكان اللبنانيين، في محاولة لتأليبهم ضد حزب الله، أو التحذير الدائم من ضربات وشيكة.
معضلة الحرب البرية
لكن ما سبق وحده لا يكفل النصر الذي يبحث عنه نتنياهو ولا يضمن لجيشه الخروج من مستنقع غزة، وبالتبعية فإن إسرائيل ستكون مجبرة على المُضي قُدما واختراق الحدود اللبنانية بعِدّة فِرَق سعيا إلى إجبار مقاتلي حزب الله على الانتقال إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني، وكذلك الكشف عن الأنفاق المخفية وتدميرها، التي كانت، مثل أنفاق غزة، أحد أهداف الاحتلال طيلة سنوات مضت.
لكن الحديث عن الحرب البرية أسهل بكثير من تجربتها، وأول مَن يعرف ذلك هي إسرائيل نفسها بعد تجاربها المتكررة في غزة.
لقد اخترق جيش الاحتلال عمقا أقل من ثلاثة كيلومترات في حروبه في قطاع غزة في أعوام 2008 و2009 و2014، وحتى في حربه الأخيرة لم يتمكن الاحتلال من السيطرة على مساحات واسعة من الأرض وتأمينها لفترة طويلة، وسرعان ما كان يفقد سيطرته على الأراضي، أو تكون سيطرته على منطقة ذات تكلفة استنزاف عالية كما يجري اليوم في محور نتساريم بقطاع غزة.
وفي سيناريو حرب شاملة مع حزب الله، سوف يتعين على جيش الاحتلال الإسرائيلي التوغل لمسافة أبعد بكثير في عمق الأراضي المعادية تمتد إلى عشرات الكيلومترات والسيطرة عليها لفترة كافية لضرب البنية التحتية العسكرية لحزب الله، وخاصة الصواريخ والقذائف، قبل الانسحاب، مع الاحتفاظ بخط سيطرة قوي نسبيا بعمق كيلومترين إلى ثلاثة كيلومترات.
وبالطبع فإن الدبابات مطلوبة لدعم المشاة في تحركات كهذه. لذلك، فإن رأس الحربة للهجوم الإسرائيلي المفترض سوف يشمل وحدات مدرعة نخبوية مثل اللواء 401 (لواء مدرع يتبع الفرقة 162 في الجيش الإسرائيلي ويعمل مع دبابات “ميركافا 4” والنسخة الأحدث “ميركافا باراك”).
وبحسب دراسة لجامعة “إير” الباكستانية فإن من المتوقع أن تتحرك قوات المشاة الإسرائيلية مثل اللواء الأول “غولاني” واللواء 35 “المظليين” مع ناقلات الأفراد الثقيلة المدرعة مثل “نمر” و”أخزاريت” إلى جانب الدبابات، وقد تُفضِّل بعض القوات الإسرائيلية السير بالقرب من الدبابات، حيث يُنظَر إليها على أنها أكثر أمانا من البقاء داخلها.
مع هذه التحركات ستسهم فرق المظلات في هذه العمليات، كما يُحتمل أيضا إنزال بعض الجنود عن طريق البحر كما حدث في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ولكن على نطاق أضيق على الأرجح.
في غضون ذلك، سيُشكِّل سلاح المهندسين أهمية كبيرة جدا لجيش الاحتلال، وتتمثَّل مهمتهم في تطهير الطرق من الألغام والكمائن وبناء الجسور التي قام جنود حزب الله بتدميرها لتعطيل تقدُّم الإسرائيليين.
على الجهة المقابلة، يمتلك حزب الله دبابات في المقابل لكنها أقل تقدُّما وعددا، مثل “تي-54″ و”تي-55″ و”تي-62” و”تي-72″، وجميعها من الحقبة السوفياتية، وهذه من شأنها أن تلحق أذى كبيرًا بالقوات الإسرائيلية حتى لو لم تكن قادرة على حسم المعركة.
كما يمتلك حزب الله عددا من العربات المدرعة الأحدث والأكثر أهمية بالنسبة لمقاتليه، والواقع أن السلاح الرئيسي لحزب الله لمواجهة الدبابات الإسرائيلية لن يكون الدبابات، بل القذائف المضادة للدبابات، التي أعطت ثقلا للمقاومة الفلسطينية في غزة ضد الدبابات الإسرائيلية، ويمتلك حزب الله العديد من أنواع هذه القذائف، وينطلق الكثير منها من “آر بي جي 7″، وهو السلاح نفسه المستخدم لإطلاق قذائف الياسين التي تُنتجها وتطوِّرها كتائب القسام.
يستخدم حزب الله حاليا أيضا نظام صواريخ موجَّهة مضادة للدبابات، يُسمى “ثار الله”، الذي صُمِّم للتغلب على نظام الحماية النشط الذي تستخدمه دبابات ميركافا خصوصا، كما أفادت العديد من منافذ الأخبار في أواخر يناير/كانون الثاني 2024 أن حزب الله استخدم صاروخ “كورنيت-إي إم” الأكثر تقدُّما لمهاجمة قاعدة مراقبة جوية إسرائيلية، وهو ما يُعد زيادة كبيرة في مدى الصواريخ المضادة للدبابات وقوتها التدميرية.
حرب طويلة
كانت حرب لبنان في عام 2006 نموذجا للقتال بهذا النوع من الصواريخ، حيث أُصيبت العديد من الدبابات الإسرائيلية ودُمِّر بعضها تماما، وفي تحليل للخبير الأمني الإسرائيلي بواز غانور، أوضح أنه “في غضون 34 يوما فقط من الحرب غير المتكافئة ضد إسرائيل، أظهر حزب الله مرونة تنظيمية، وقدرة على البقاء، واستخدام أشكال متعددة ومبتكرة من القوة النارية”.
أبعد من ذلك، رأى بعض الخبراء في هذا النطاق، مثل باحث الدفاع الأميركي فرانك هوفمان، أن حزب الله أثبت أن الجهات غير النظامية قادرة على “دراسة وتفكيك نقاط الضعف في الجيوش ذات النمط الغربي، واستنباط التدابير المضادة المناسبة”.
السبب في ذلك لم يكن القوة العسكرية تحديدا، ولكن ما يصفه المتخصصون باعتباره نوعا مختلفا من الحروب يُعد حزب الله أحد أفضل نماذج تطبيقه، وقد سُمِّيت هذه الحروب “الحروب الهجينة”.
لا تمتلك الحرب الهجينة تعريفا عسكريا محددا حتى الآن، ولا يزال ثمة جدل حول طبيعتها، لكن يمكن القول إنها إستراتيجية تمزج بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية، فتكون هناك قوات نظامية مسلحة تقليدية الطابع ذات تكتيكات ومعدات عسكرية قياسية، مع أسلحة مثل الدبابات والمدفعية والطائرات، إلى جانب تكتيكات الحرب غير النظامية، مثل استخدام وحدات أو خلايا صغيرة متنقلة وتكتيكات الكرّ والفرّ والكمائن وعمليات “تخريب” بنى العدو التحتية.
بالطبع لن يقف حزب الله في موقف دفاعي فقط، بل ستشن قواته هجمات حرب عصابات، على الأرجح باستخدام شبكة أنفاق واسعة ومواقع دفاعية مُعدَّة جيدا بالقرب من الحدود الإسرائيلية، مستفيدة من التضاريس الوعرة هناك، وستحاول تلك القوات توجيه ضربات دقيقة منهجية على مجموعة من مواقع المراقبة الإسرائيلية على طول الحدود، وإسقاط المسيرات عالية الجودة، وضرب بطاريات القبة الحديدية الإسرائيلية.
وفي هذا السياق سيحاول حزب الله، فوق الأرض وتحتها، التسلل بعملائه إلى داخل الأراضي المحتلة، ويمكن لكوادره الاستيلاء على قطع من الأرض بالقرب من الحدود.
بالإضافة إلى أسلحته التي تُعد أكثر تطورا إذا ما قورنت بسلاح المقاومة الفلسطينية وأكثر قربا لترسانة الحرب التقليدية، يمكن لحزب الله نشر ما بين 40-50 ألف مقاتل يتمتع جانب كبير منهم بتدريب عالٍ ومنضبط، وبالتالي فنحن هنا لا نتحدث عن قتال خاطف يمكن أن ينتهي في أيام أو حتى أسابيع، خاصة في ضوء فشل إسرائيل في غزة بعد عام كامل من الحرب.
أضف إلى ذلك أنه على خلاف غزة، فإن لبنان ليس محاصرا من كل الجوانب، ويتمتع بخطوط إمداد مفتوحة، ما يعني أن حربا برية سوف تكون مستنقعا حقيقيا تغرق فيه إسرائيل حتى أُذنيها دون أي مخرج قريب.