مراسلو الجزيرة نت
بيروت- داخل ثانوية الدكتور نزيه البزري الرسمية، التي فتحت أبوابها كأول مدرسة لاستقبال النازحين في صيدا، تجلس الحاجة شما فنش على حافة المدخل، تحمل نظراتها مشاعر التعب والخوف، وقد قدمت من منطقة البستان. وتقول بصوت متهدج “تهجرنا أولاً إلى الكوثرية، ومنذ ساعات الصباح الأولى لم يتوقف القصف العنيف. نزحنا بسرعة، أنا وأولادي وأحفادي، وسط صرخات الأطفال وبكائهم المستمر”.
تتابع حديثها وهي تلمس بحزن الملابس القليلة التي جلبتها معها، بينما يجلس أحفادها بجانبها “هذا هو نزوحنا الثاني. جئنا إلى صيدا ونحن نرتجف من الخوف، الأطفال يصرخون، ولم نحمل سوى ما تيسر من حاجياتنا. الآن، نحن هنا أمام المدرسة، جالسين بلا حول ولا قوة، نترقب ما سيحدث”.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ أعنف وأوسع هجوم له منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مستهدفًا مناطق الجنوب اللبناني حتى حدود صيدا، المدخل الرئيسي للجنوب. وقد أسفر هذا الهجوم عن استشهاد 356 من بينهم 24 طفلا و42 سيدة، وإصابة 1246 بجروح، كحصيلة للعدوان الاسرائيلي المتمادي اليوم على الجنوب والبقاع وبعلبك، منذ صباح اليوم وحتى الساعة، حسب مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة.
وفي ظل هذا التصعيد، شهدت مدينتا بيروت وصيدا موجات نزوح كثيفة من الجنوب، حيث تم تحويل العديد من المدارس إلى مراكز إيواء للعائلات النازحة، وسارعت البلديات والجمعيات المحلية إلى تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية. وفي هذا السياق، تستمر الجهود لتنسيق توزيع النازحين داخل هذه المدارس.
إدارة الكوارث
وعُقد في صيدا اجتماع لوحدة إدارة الكوارث بالتعاون مع وحدة الكوارث بمحافظة لبنان الجنوبية، بهدف استقبال النازحين من مناطق الجنوب وتأمين أماكن للإقامة والإيواء، بالإضافة إلى توفير كافة المستلزمات الضرورية.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال منسق المؤسسات الأهلية ماجد حمدتو في صيدا “نتوقع مزيدًا من التصعيد وارتفاع أعداد النازحين. حتى الآن لا نملك أرقامًا دقيقة، لكننا بدأنا بفتح 4 مدارس في المدينة، ونحن مستعدون لفتح المزيد عند الحاجة”.
وبموازاة ذلك، بدأت تظهر في صيدا مبادرات من الأهالي لاستقبال النازحين في منازلهم، وليس فقط بمراكز الإيواء. وفي هذا الإطار، أضاف حمدتو “نعمل على تنظيم هذه المبادرات لاستقبال أكبر عدد ممكن من النازحين”.
وأكد أن “صيدا جاهزة بكل منازلها لاستقبال النازحين. كعاصمة للجنوب، لدينا واجبات وسنقدم كل ما نستطيع من مساعدات لتخفيف المعاناة عن أهلنا”.
نزوح وصمود
على مقربة من شما فنش، كانت أم أحمد من بلدة معروب، تقول للجزيرة نت بنبرة تحمل بين طياتها التحدي “كثافة الغارات الإسرائيلية أجبرتنا على مغادرة بلدتنا، لكننا لم ولن ننحني لإسرائيل. سنبقى صامدين، وبعزم لا ينكسر، سنعود إلى الجنوب بفخر واعتزاز”.
ولا يختلف الوضع كثيرًا في بيروت، حيث بدأت المدارس في العاصمة اللبنانية باستقبال النازحين. وفي المعهد الفني في بئر حسن، تم تجهيز مراكز الإيواء بالمستلزمات الأساسية، مثل الفرش والمياه وغيرها من الضروريات.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح الدكتور رامي نجم عضو لجنة الطوارئ والمسؤول الإعلامي المركزي بحركة أمل “نحن الآن في المرحلة الأولى من استقبال النازحين، وبدأت العائلات تصل تباعًا. نقوم بتوزيعهم على الغرف، وعند اكتمال العدد سنوزع جزءًا منهم داخل المجمع، بينما سيتوجه الباقون إلى المراكز التربوية في بيروت. إجمالاً، تستوعب هذه المراكز مئات العائلات، وسنواصل متابعة الأرقام بشكل مستمر”.
وأضاف “إلى جانب تأمين الاحتياجات الأساسية مثل مياه الشرب وأماكن النوم، نتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة لتوفير جميع المستلزمات الضرورية”.
تخصيص مراكز الإيواء
أصدر وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي توجيهات إلى المحافظين بضرورة التعاون الفعّال لمواجهة النزوح الكثيف من المناطق الجنوبية.
وتم اتخاذ قرار بفتح عدد من المدارس والمعاهد الرسمية كمراكز إيواء لضمان سلامة المواطنين وأمنهم أهمها في زحلة والبقاع، معهد التعليم والتدريب في حوش الأمراء، ابتدائية قب الياس، مدرسة القرعون الرسمية.
وفي بعلبك الهرمل، تم افتتاح متوسطة دير الأحمر الرسمية، وفي صور مدرسة صور الرسمية، وفي منطقة بيروت وضواحيها مجمع دولة الرئيس نبيه بري في بئر حسن، والمدرسة الفندقية في الدكوانة، وفي طرابلس المعهد الفندقي في الميناء.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت العديد من المدارس والمعاهد الرسمية في مناطق جبل لبنان، وخاصة الشوف وعاليه وبعبدا، باستقبال النازحين.
وطلب مولوي من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية كافة مواكبة عمليات النزوح والإيواء، وتقديم المساعدة للبنانيين، والحفاظ على الأمن والنظام، وحماية الممتلكات العامة والخاصة.