لندن- جاء إعلان بريطانيا تعليق بيع مجموعة من مكونات الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في غزة بعد مظاهرات حاشدة أعاقت العديد من مصانع الأسلحة عن العمل، وإضرابات واحتجاجات داخل وزارة التجارة وبالتحديد في أقسام تتعلق بتراخيص الأسلحة، إذ نادى الموظفون بضرورة وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.
وبينما عدّ مناصرون للقضية الفلسطينية ومناهضون للحرب على غزة الإجراء البريطاني رمزيا إذ إن تعليق إصدار رخص تصدير السلاح شمل مجموعة قليلة من مجمل الرخص المصدرة لمصلحة إسرائيل، رأت الحكومة أنها لم تعثر على أدلة كافية لتعليق بقية الرخص.
مراجعة جديدة
وكان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أعلن يوم الاثنين الماضي أن 30 رخصة تصدير ستعلق فورا، وتشمل هذه الرخص أجزاء لطائرات مقاتلة ومروحيات وطائرات مسيّرة.
جاء هذا القرار بعد مراجعة أُجريت عقب فوز حزب العمال الساحق في الانتخابات التشريعية التي شهدها يوليو/تموز الماضي، فقد خلصت الحكومة إلى وجود انتهاكات محتملة في ما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كما أشار وزير الخارجية إلى صعوبة أوضاع المحتجزين من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن وزير الخارجية السابق ديفيد كاميرون، وهو رئيس وزراء عن حزب المحافظين سابقا، أن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل لن تُعلق، ولكن المراجعة الجديدة تحت حكومة حزب العمال قررت خلاف ذلك.
وأشار بيان الخارجية البريطانية الجديد إلى عدم العثور على أدلة كافية لتحديد وقوع انتهاكات أخرى بناء على كيفية تعامل إسرائيل مع عدوانها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن التقييم الحكومي أكد أن عدد الضحايا المدنيين وحجم الدمار يثيران قلقا كبيرا.
وقال لامي، أمام أعضاء البرلمان في مجلس العموم، إن “التقييم الذي تلقّيته لا يترك لي خيارا سوى الاعتراف بوجود خطر واضح بأن بعض صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل قد تُستخدم في ارتكاب أو تسهيل انتهاكات خطرة للقانون الدولي الإنساني”.
وأضاف أن إسرائيل يمكنها “بشكل معقول أن تفعل المزيد” لضمان وصول الغذاء والإمدادات الطبية إلى المدنيين في غزة الذين يواجهون “وضعا إنسانيا مروعا”، كما أعرب عن “قلق الحكومة العميق” إزاء المزاعم الموثوقة بشأن إساءة معاملة المحتجزين.
تعليق غير كامل
وبموجب قرارها الأخير، أوقفت الحكومة البريطانية رسميا العمل بـ30 رخصة تصدير أسلحة إلى إسرائيل فقط من أصل 350 رخصة صادرة بالفعل، استُخدم منها 100 منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك يمثل نسبة ضئيلة من إجمالي الرخص.
وقد شمل التعليق أيضا عناصر تسهيل استهداف الأرض، لكن استُثنيت مكونات الطائرات من طراز الشبح “إف-35” (F-35) من التعليق، رغم استثناء الأجزاء التي تُرسل مباشرة إلى إسرائيل، فأغلب هذه الأجزاء تذهب إلى مجموعة تصنيع أسلحة عالمية. وأوضحت الحكومة أنه لم يكن بالإمكان تعليق بقية التراخيص دون التأثير على الأسطول الدفاعي العالمي.
وأكد المسؤولون البريطانيون أنهم لم يحكموا إذا كانت إسرائيل قد انتهكت بالفعل القانون الدولي الإنساني، ولكن التقييم وجد “خطرا واضحا” لانتهاكات محتملة، وهو كاف للتعليق، إذ تتطلب معايير ترخيص التصدير المنصوص عليها بالقانون البريطاني أن المملكة المتحدة لن تصدر تراخيص تصدير إذا كان هناك خطر من استخدام العناصر في ارتكاب انتهاكات خطرة للقانون الدولي الإنساني.
وأعربت منسقة حركة “أوقفوا الحرب”، ليندسي جيرمان، عن انتقادها اللاذع للقرار، ووصفته بالرمزي. وقالت جيرمان للجزيرة نت “إذا كان هناك خطر واضح من أن هذه التراخيص قد تُستخدم لانتهاك القانون الدولي، فأين الدليل على أن بقية التراخيص لا تشكل الخطر ذاته؟ يجب على ديفيد لامي أن ينشر المشورة القانونية التي دفعت إلى هذا القرار”.
وأضافت “تواصل الحكومة التواطؤ في وفاة عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزة، ولن نتوقف عن المطالبة بحظر كامل على جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وإنهاء العلاقة السياسية مع إسرائيل التي شهدت حصول العديد من النواب، بمن فيهم لامي، على تبرعات ضخمة من اللوبي المؤيد لإسرائيل”.
حشد برلماني وشعبي
وفي إطار الضغوط على الحكومة لاتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية بحق إسرائيل، أعلن جيرمي كوربن، الزعيم السابق لحزب العمال، تشكيل تحالف برلماني جديد مع 4 من النواب المستقلين الذين جاء انتخابهم ببرامج سياسية معلنة داعمة لغزة.
ودعا كوربن والنواب المشاركون في التحالف أعضاء البرلمان الآخرين للانضمام إليه، إذ يسعى هذا التحالف إلى الدفاع عن قضايا مثل مقاومة التقشف والحد من تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
وأكدت مجموعة النواب التي شكلت التحالف أنهم انتُخبوا لتقديم الأمل في “برلمان يغلب عليه اليأس”، مشيرين إلى أن الحكومة الحالية تجاهلت دعواتهم لإنهاء مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل.
وصرح النواب -في بيان صحفي- بأن “ملايين الأشخاص يصرخون بحثا عن بديل حقيقي للتقشف وعدم المساواة والحرب، وأصواتهم تستحق أن تُسمع”، وأضافوا “أوضح النواب أنهم لا يتوقعون الحصول على الأموال التي تُمنح للأحزاب المعارضة، ولكنهم يعتقدون أن المتحدث باسم البرلمان سيمنحهم الفرص نفسها التي تمنح للأحزاب الصغيرة الأخرى”.
وعلى الرغم من أن التحالف الجديد لن يكون حزبا سياسيا رسميا، فإن عددهم يسمح بمعاملتهم معاملة الأحزاب الصغيرة، لا سيما بشأن تخصيص وقت برلماني أكبر لنوابه لطرح الأسئلة والمشاركة في المناقشات.
وبالتوازي مع مظاهرات حاشدة وانتقادات من داعمي فلسطين لحكومة حزب العمال تصف قرارها بالرمزي، دعت حملة التضامن من أجل فلسطين إلى مسيرة وطنية حاشدة جديدة للتنديد بتواطؤ بريطانيا في جرائم الحرب في غزة.