القدس المحتلة- يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في الضفة الغربية، بالتوازي مع اعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين من جهة، وتصاعد عمليات المقاومة فيها والتهديد بنقلها إلى العمق الإسرائيلي من جهة أخرى، عدا عن استمرار الحرب على قطاع غزة.
وسارع الجيش الإسرائيلي الذي فشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة، إلى تصنيف الضفة باعتبارها منطقة قتال ثانية بعد جبهة غزة، وذلك من خلال العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم “المخيمات الصيفية” والتي دخلت أسبوعها الثاني، وتتركز في شمال الضفة ومخيمات اللاجئين خاصة.
وتوافقت القراءات السياسية والعسكرية بشأن دوافع وأسباب التصعيد في الضفة، وقدّرت أن التطورات الميدانية باتت تقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تخشى أن تنتقل عمليات المقاومة من الضفة إلى الجانب الإسرائيلي، فأقدمت على تنفيذ عملياتها العسكرية في مدن الضفة ومخيماتها التي تعيش أزمات اقتصادية وسياسية، وتشهد تقويضا لمكانة السلطة الفلسطينية بسبب ممارسات الحكومة الإسرائيلية.
قلق إسرائيلي
يعتقد المحلل العسكري بالإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان11” إيال عليمه، أن الضفة ومنذ بدء الحرب على غزة تعتبر “نقطة قتال” وليس “جبهة حربية” بالمفهوم التقليدي، وما حدث مؤخرا هو بمثابة تكثيف وتصعيد في العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي.
وأرجع عليمه في حديثه للجزيرة نت، تصعيد الجيش لعملياته إلى القلق الإسرائيلي من تحول الضفة إلى ساحة حرب على غرار قطاع غزة، وذلك في أعقاب العملية التفجيرية في تل أبيب قبل عدة أسابيع، وهو ما اعتبر نقطة تحول في التعامل العسكري مع الضفة ومخيماتها.
وأشار إلى أن التصعيد الإسرائيلي بالضفة يعود أيضا إلى سلسلة عمليات المقاومة المسلحة وإلى ظهور السيارات المفخخة، وكذلك بيانات حركتي حماس والجهاد الإسلامي وإعلانهما عن عودة العمليات التفجيرية داخل العمق الإسرائيلي، بعد غياب لأكثر من 20 عاما، منذ الانتفاضة الثانية.
وقدّر المحلل العسكري أن “ساحة القتال المتدرج” بالضفة تقلق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أكثر حتى من القتال على الجبهة الشمالية مع حزب الله، بسبب الإجراءات التي قد تتخذها حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو، باعتبار أن المستوطنين شركاء في الائتلاف الحكومي، سياسيا وفكريا وأيديولوجيا.
وحيال ذلك، يقول عليمه إن “الوضع في الضفة في غاية الخطورة، ليس بسبب التصعيد العسكري وحسب، بل أيضا بسبب الإجراءات غير المعهودة بالسابق، والتي قد تقدم عليها حكومة اليمين، على غرار ساحة القتال في غزة”.
ويستشهد عليمه بتصريحات وزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي دعا إلى إجبار سكان فلسطينيين على النزوح من بعض المناطق، وحصار الجيش للمستشفيات بالضفة، واستعمال المسيّرات بشكل يومي لأغراض هجومية واستخباراتية.
ولا يستبعد المحلل العسكري أن تشهد الضفة سيناريوهات عسكرية غير معهودة من قبل، قائلا إننا “لا نعلم إلى أين تتجه الأمور، خصوصا وأن الجيش نزع الكفوف، ويتجه نحو استعمال أكثر للقوة العسكرية، وهي الأساليب التي لا تختلف كثيرا عما يفعله بغزة”.
عملية متدرجة
وحيال هذا التصعيد، يعتقد المحلل السياسي عكيفا ألدار أن حكومة اليمين المتطرف توظّف العمليات العسكرية في الضفة من أجل تحقيق المشروع الاستيطاني وضمها للسيادة الإسرائيلية، وهو الهدف المعلن للعديد من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي.
وأشار المحلل السياسي في حديثه للجزيرة نت، أنه لا يمكن عزل التصعيد العسكري بالضفة عن المشروع السياسي لهذه الحكومة الرافض لأي تسوية مع الفلسطينيين. وعليه “فقد نشهد المزيد من الإجراءات والتصعيد بالقوة، واستعمال الأسلحة بضغط من وزراء أحزاب اليمين، الذين يدفعون نحو خطوات لم نعهدها بالسابق من أجل حسم الصراع”.
ولا يستبعد ألدار إمكانية أن تفضي الضغوطات التي تمارسها أحزاب اليمين لإجبار المؤسسة العسكرية على القيام بعمليات وإجراءات غير معهودة بالضفة سابقا، مثل النزوح القسري للفلسطينيين، وإلى سياسة الإبعاد، وإحكام الحصار وتقطيع أواصر التواصل الجغرافي بين التجمعات السكنية الفلسطينية، لتتحول إلى “غيتوهات” (تجمعات مغلقة) محاصرة بالمستوطنات والمعسكرات والحواجز العسكرية.
ويعتقد المحلل أن الضفة تشهد “عملية عسكرية متدرجة”، على غرار ما حصل مع بدء الحملة العسكرية البرية في قطاع غزة، وهو ما يعتبره “حالة من الانزلاق الخطير” في الصراع مع الشعب الفلسطيني.
مرحلة استثنائية
وفي قراءة لدلالات اعتبار الضفة ساحة قتال على غرار غزة، قال الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد، إن الإعلان الإسرائيلي يعني أن تغييرا سيطرأ على الحياة المدنية بالمناطق الفلسطينية التي ستشهد عمليات عسكرية، وصُنّفت من قبل الجيش الإسرائيلي بأنها مناطق عسكرية.
وحيال ذلك، يتوقع خالد في حديث للجزيرة نت “سلوكا عسكريا مشابها إلى حد ما لما يحدث بغزة، وهجمات مكثفة ومستمرة على مناطق تمركز أفراد المقاومة داخل الأحياء باستخدام الطيران المسيّر والإغارات البرية، مع اتباع سياسة التهجير القسري للسكان بشكل مؤقت، وزيادة الحواجز على الطرق الداخلية والخارجية، مما سيسهم في تعقيد الحياة المعيشية وحركة الناس”.
ويعتقد المحلل العسكري أن هذا الأمر من شأنه تقويض قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ مهامها وواجباتها تجاه السكان الفلسطينيين، وسيفقدها السيطرة على مناطق بعينها سيتواجد بها الجيش بشكل كامل ودائم.
وأوضح الخبير العسكري أن “فرقة الضفة الغربية” تعمل تحت قيادة المنطقة الوسطى الإقليمية في الجيش الإسرائيلي، وستكون بحاجة لحشد قوات أكبر لتنفيذ مخططاتها، وبالتالي ستستدعي قوات نخبوية كانت تعمل على جبهة غزة والجبهة الشمالية، كالفرقة 98 مثلا.
وبهذا، يقاتل الجيش الإسرائيلي حاليا وبشكل عملي على 3 جبهات بشكل متزامن، وهو في حالة تماس واشتباك مباشر معها، حسب ما يرى المحلل. ويضيف أن “هذا سيحدث حالة من الاستنزاف للأصول البشرية والإدارية لقواته، وإدامة تشغيل قوات الاحتياط وتجديد فترات إبقائها بالخدمة، في مرحلة استثنائية من عمر الكيان الإسرائيلي”.
وبالمجمل، يقول الخبير العسكري إنه لا يمكن فصل ما سبق عن أهداف سياسية يسعى الكيان لتحقيقها في الضفة الغربية، ويسارع الوقت لمزيد من قضم الأراضي والتهويد والسيطرة على حساب السلطة الفلسطينية، وصولا لما أعلن عنه ساسة إسرائيليون كثر وفي عدة مناسبات “بالسيطرة الكاملة على يهودا والسامرة” (الضفة الغربية).
مفهوم الأمن
ويعتقد خالد أن تصعيد العمليات في الضفة يأتي في إطار ما يسميه المستوى العسكري الإسرائيلي “تحقيق مفهوم الأمن”، وذلك في ظل تصاعد عمليات المقاومة داخل مدن ومناطق الضفة، وتنامي قدرات المقاومة العسكرية على مستوى الكادر والأدوات والإجراءات، والتي أظهرت مستويات متطورة في استهداف المستوطنين وحواجز الجيش ومواقعه.
وقدر خالد أن المستوى العسكري الإسرائيلي يرى أن الضفة “خاصرته الضعيفة”، وأن هناك سعي من المقاومة لرفع مستوى الاشتباك القتالي فيها، في ظل انسداد الأفق في جبهة قطاع غزة وحالة الاستفراد بالمقاومة وحاضنتها هناك في حرب إبادة غير مسبوقة.
ولفت الخبير العسكري إلى أن الشعور والتقييم الأمني الإسرائيلي هو أن الضفة الغربية ستكون “ساحة اشتباك رئيسية” بالفترة المقبلة، ولذا بدأ بخطوات استباقية لضرب معاقل المقاومة في مخيماتها، خاصة في جنين وطولكرم وطوباس ونابلس.
وضمن هذه الخطوات، يقول خالد إن “الجيش الإسرائيلي حوّل بعض المناطق الفلسطينية لمناطق عسكرية وبقع عمليات، ضمن خطط وإجراءات عسكرية لتحقيق مفهوم الأمن، وحصر الأخطار المحدقة داخل الضفة، ومنع انتقالها للأراضي المحتلة عام 1948، ومنع استثمار المقاومة للفعل الميداني المقاوم في الضفة سياسيا ودبلوماسيا”.