طهران– لا تقل وطأة التقارير الواردة منذ أمس الجمعة عن استهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت على الإيرانيين من اغتيال كبار قادتهم العسكريين والسياسيين. وقد قضى كثير منهم الساعات الطويلة الماضية في انتظار ما سيتمخض عنه الاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الذي دعا إليه المرشد الأعلى علي خامنئي.
والفارق بين اغتيال الشخصيات الإيرانية واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله برفقة عدد آخر من كبار القادة المقربين من طهران، أنها جاءت بعد دقائق فقط من تهديد بنيامين نتنياهو الجمهورية الإسلامية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن “أي مكان في إيران ستصله ذراع إسرائيل الطويلة” في حال هاجمت كيانه.
وفضلا عن المواقف الرسمية المعتادة، من تنديد شديد اللهجة على لسان الرئيس مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي، وتأكيدهما وقوف طهران إلى جانب لبنان ومقاومته بمواجهة العدوان الإسرائيلي، استضافت قناة “خبر” الرسمية 3 شخصيات تمثل مكتب المرشد الأعلى والبرلمان والمؤسسة العسكرية.
قراءة رسمية
وربط علي لاريجاني، العضو البارز في مجمع تشخيص مصلحة النظام ومستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، بين دعم طهران لمحور المقاومة والأمن القومي الإيراني، معتبرا أن إسرائيل تتخطى الخطوط الحمراء لطهران. في حين اعتبر إبراهيم عزيزي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، أن “الكيان الصهيوني” قد فتح أبواب جهنم على نفسه بارتكابه جريمة الضاحية الجنوبية.
أما الجنرال أحمدي وحيدي، وزير الدفاع السابق وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، فقد طمأن الشعب الإيراني بأن محور المقاومة قام بتأهيل كوادر قيادية على الصعيدين السياسي والعسكري وأن المسيرة النضالية لن تتوقف باغتيال شخصية هنا وهناك.
وقد يكون الجنرال محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد الأسبق للحرس الثوري أكثر صراحة في قراءته لتطورات العدوان الإسرائيلي على لبنان، إذ غرد على منصة إكس قائلا: “لن تتوقف العصابة المجرمة والعنصرية لنتنياهو بالشجب والاستنكار، وبعد لبنان ستشن هجوما على دمشق ثم بغداد، وقد تهاجم إيران في حال أسكرتها إراقة الدماء”، مطالبا حكومات إيران والعراق وسوريا باتخاذ قرار حاسم لإحباط هذا السيناريو.
انقسام
أفرز التصعيد الإسرائيلي الأخير انقساما كبيرا في إيران، فثمة من يرى أن سياسة ضبط النفس الإيرانية منحت العدو جرأة على التمادي في عدوانه، لأنه أيقن أن الجمهورية الإسلامية التي تحاول حاليا حلحلة قضاياها الشائكة مع الدول الغربية لا تنوي القيام بأي ردة فعل على المدى القريب أو على الأقل تتجنب الحرب في الوقت الراهن.
وعلى وقع الآراء التي تقول بأن الهدف الأساس من التصعيد الإسرائيلي للاغتيالات في لبنان وسوريا والعراق وإيران هو جرّ طهران إلى الحرب، تعتقد شريحة أخرى أنه لا ينبغي للجمهورية الإسلامية اللعب وفق إرادة العدو.
في غضون ذلك، تشبه السياسيّة المحافظة زهرة إلهيان، النائبة السابقة في البرلمان الإيراني، “الجنون الإسرائيلي في غزة ولبنان” برقصة الطير المذبوح، مضيفة أن الكيان الصهيوني سيتلقى ردا مؤلما على ما ارتكبه في الضاحية الجنوبية قريبا، وأن هذه الجرائم ستسرّع زواله من الخريطة، وفق تعبيرها.
وفي حديثها للجزيرة نت، ترى إلهيان أن “العدو الصهيوني” يسعى حثيثا لاستدراج طهران إلى حرب يحظى خلالها بدعم غربي، مضيفة أن بلادها “تتعامل مع هذه المؤامرة بذكاء” لإفشال مخططات العدو، مستدركة أن السياسة هذه لا تعني نسيان موضوع الثأر لدماء القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية، وأنه آت لا محالة، وأن “زمن اضرب واهرب قد ولى”.
ولدى إشارتها إلى أن إسرائيل تعتبر المعركة الراهنة وجودية، تؤكد السياسية الإيرانية أن بلادها ستواصل الدعم لحلفائها في محور المقاومة وأنها لم ولن تخشى الحرب وأن أياديها على الزناد للدفاع عن سيادتها، لكنها لن تبدأ الحرب، وذلك وفق عقيدتها العسكرية.
لا للحرب
في المقابل، يعتقد الدبلوماسي السابق فريدون مجلسي أن الجمهورية الإسلامية استُدرجت بالفعل إلى حربين طاحنتين هما الحرب الروسية على أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة وحزب الله اللبناني، وأن شعبها يدفع ضريبة هذه التطورات.
ورأى، في حديثه للجزيرة نت، أن تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي يعود إلى 76 عاما، وأنه لا ناقة لإيران به ولا جمل، ومع ذلك فإنه لا مانع من مساعدة إيران للقضية الفلسطينية على الصعد القانونية والمالية وتنفيذ القرارات الأممية لصالح فلسطين ودعم إقامة دولة فلسطينية.
وبحسب مجلسي، فإنه “لا ينبغي لطهران توريط البلاد في الحرب والدمار بسبب أنه لم يبق شيئا من غزة بعد دمارها خلال العدوان الأخير، وأن حزب الله مخترق وأن ارتفاع عدد الاغتيالات وتزايد أعداد الشهداء منذ الاثنين الماضي يشير إلى عزم إسرائيل إبادة لبنان على غرار غزة بما يضعف قدرات حزب الله الردعية بالنسبة لإيران”.
ولدى إشارته إلى صمت عديد من الدول العربية حيال ما يجري في غزة ولبنان، يتساءل مجلسي عن سبب تشبث بلاده بالصراع في الشرق الأوسط، موضحا أن التقديرات السياسية تؤكد أن إسرائيل تسعى لجر إيران للحرب لتبرر مهاجمة منشآتها العسكرية والاقتصادية وغيرها، ولذلك لا ينبغي الوقوع في هذا الفخ والسماح بتدمير البلاد، ذلك أن الحرب سجال ولا بد من أخذ جميع السيناريوهات بعين الاعتبار.
سيناريوهات محتملة
من جانبه، يعتقد الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية محسن جليلوند أنه لا فرق بالنسبة لبلاده بين أن يتولى حسن نصر الله قيادة حزب الله اللبناني أو قيادي لبناني آخر، لأن حلقات محور المقاومة قامت بالفعل بتدريب وتأهيل كوادر قيادية كثيرة بعد أن أيقنت بأن جميع عناصرها معرضة للاغتيال.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار جليلوند إلى أن “الحروب تنتج عن مغامرات وسوء حسابات، وهذا ما قد يدلنا إلى أكثر السيناريوهات احتمالا خلال المرحلة المقبلة لتشهد المنطقة حربا شاملة في حال واصلت إسرائيل هجماتها على فصائل المقاومة حتى تنجح في استدراج إيران إلى الحرب”.
ورأى أن استمرار “الصبر الإستراتيجي” يشكل السيناريو الثاني بالنسبة لمستقبل تطورات الشرق الأوسط، حيث تبقى خلاله المنطقة في حالة “لا حرب شاملة ولا سلام كامل” دون أن يقضي أي من الأطراف على الجانب المقابل.
أما في السيناريو الثالث، وفق جليلوند، فهو أن يعود الهدوء إلى المنطقة إثر إعلان إسرائيل تحقيقها أهدافها التي أطلقت الحرب من أجلها وهذا أضعف الاحتمالات، لأنها عجزت حتى الآن عن إطلاق سراح أسراها في قطاع غزة المحاصر.
وخلص جليلوند إلى أن الكيان الإسرائيلي “أًُنشئ في الشرق الأوسط بذريعة الهولوكوست”، وأن “تل أبيب تريد تحويل عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى هولوكوست ثانٍ” لتثبت بها كيانها في المنطقة، مشككا برواية “عدم كشف إسرائيل هجوم حماس عليها العام الماضي”، وبرأيه فقد سمحت بذلك للقضاء على فصائل المقاومة أو تقويض قدراتها.
وبين تقويض قدرات المقاومة وجر إيران إلى حرب لا ترغب فيها، فإن شريحة صغيرة جدا من الإيرانيين ترى في التحوّل إلى قدرة نووية عاملا رادعا في حال تعرضت البلاد إلى تهديد وجودي من الكيان الإسرائيلي وحلفائه الغربيين.