تحت شعار “الكتاب الذي لا يسافر لا يعوّل عليه” أصدرت دار تدوين للنشر والتوزيع في عمان المجموعة الشعرية الجديدة “كريشة يحملها هواء خفيف” للشاعر موسى حوامدة، وهي المجموعة الشعرية الـ13 في مسيرة موسى حوامدة الشعرية التي بدأت بمجموعته الأولى “شغب”، في عمّان، 1988. وتوالت بعده الإصدارات ومنها “تزدادين سماءً وبساتين”، “أسفار موسى العهد الأخير”، “كما يليق بطير طائش”، “موتى يَجرُّون السماء”، “جسد للبحر رداء للقصيدة”، وغيرها.
وكان أثر السابع من أكتوبر/تشرين الأول وطوفان الأقصى بارزا على المجموعة التي كتبت قصائدها خلال الـ5 سنوات الماضية وأهداها الشاعر إلى “شهداء فلسطين الذين مُسحت أسماؤهم من السجل المدني وإلى كل الشهداء والناجين من حرب الإبادة الجماعية”.
وكانت القصيدة الأولى بعنوان “7 أكتوبر”:
7 أكتوبر
شابهتُ المسيحَ ولم أجدني سواه
وبرئتُ من مرضي السقيم بمعجزتي وحدي
وما اتكلتُ على سواي..
توكأتُ صليبي
رفعتُ جسدي بمخيلتي
وقبل أن يُغدرَ بي عندَ صياح الديك
تخطَّيتُ أسوارَ الحصار
رسمت مثلثي الأحمر
أسقطت عرش الأكاذيب
وقطعت حبل المشنقة..
عمّان 29/6/2024
لم أمتْ في الحرب
لم أمتْ في الحرب
كي أحملَ آثارَ الذين سقطوا فيها
جسدي فسيحٌ يا الله
فامتحنّي بالمزيد من الدماء..
لم أمت في الحرب
حين كنت في الصف الأول
لكي لا تخجل السماءُ من وقاحتي
ولم أمت حين كنت في الصف الثاني
لأن الطائرات لم تكن تقتل الأطفال
والينابيع كانت تبادلهم الضحكات..
لم أمت في الحرب كلَّما نشبت لاحقا
كي أتشظّى بجحيم الحضارة
وأدفنَ رأسي في العزاء
حتى يخجل الموتى مني
ويُفسحوا لي بيتا في الجحيم..
لم أمت في الحرب
كي أموت في تفاهة الحياة
وأعتاد مشهد الإبادة
والناس يضحكون من شكل جمجمتي..
لم أمت في الحرب
كي أستمطر شآبيب إنسانيةٍ
فارقت نعشَها الرخيصَ
وصارت عاهرةً
تدير دفة العالم..
لم أمت في الحرب يا الله
وهذا أكبر من طاقتي على الندم..
19-8-2024
تنوعت القصائد بين الكتابة عن محرقة غزة وتمجيد المقاومة وبين الكتابة عن الشعر ذاته وتكريس المكان العربي من مصر والقاهرة الى فلسطين ومدينة الخليل وغور الأردن وسهل حوران في ربط للأماكن بطريقة شعرية توحي أن هذه الكيانات العربية ليست قطع فسيفساء بل كيان عربي واحد.
وكانت القصيدة التي استقى منها العنوان هي:
كريشةٍ يحملها هواء خَفيف
كريشةٍ يحملها هواء خفيف
أمر على ضفاف النيل
أعبر أزقة “الحسين”
أدور في ميدان “طلعت حرب”
أطير عاليا إلى “السيدة زينب”
محملا بذكريات “الجبرتي” و”ابن إياس”
مستذكرا آذان المغرب في شهر رمضان
أبي لا يقتنع بفك صيامه إلا حين يسمع أذان القاهرة
تعيدني العاصفة إلى تلك الجبال
إلى طفولة مهدورة في بلدة نائية جنوب الأرض
ترفعني الريح خفيفا
ثم تخر بي نازلة عند “ميدان التحرير”
أشد جناح الريشة فتمسك نفسها قليلا
تلف الأرصفة واحدا واحدا
تنثر الهواء على وجوه العابرين
تمسد وجوه النوبيين الطيبة
تمسح غبار الأزمان عن المباني الجاثمة
أستذكر “بلاد الشام” التي صارت مطاعم شاورما هنا
أسترجع ذكريات “المدرسة الإبراهيمية” في “الخليل”
أستذكر هراوات الجنود الفاشيست
صرامة وجوههم اللئيمة
أهبط إلى غور الأردن
أعبر النهر
أحتمي بعجز النهر عن الفيضان
أصعد إلى “عمون”
تلفني زوبعة من صحراء الحنين
تحملني بعيدا
تذهب بي يمينا
شمالا
حتى أعلو
أطير وأطير
ترفقي بي أيتها الزوبعة
لا تسقطيني سريعا بلا شفقة
كنت أشتاق إلى نسيم طري
يحملني برفق إلى “أرابيلا” (اسم مدينة إربد القديم)
كي أرتاح قليلا فوق تراب “حوران”
لكنها الريح تعاود الجنون.
القاهرة
22-2-2023
وقد صممت غلاف الكتاب الفنانة الفلسطينية الشابة إسراء مسلم النازحة من المحرقة الصهيونية إلى مصر، تحت إشراف الفنان ياسر علي، وخدمات فنية وطباعية وتوزيع دار “يسطرون” القاهرية لصاحبها الشاعر عماد سالم.
وأجرى التنسيق الداخلي للكتاب حسن عبد الحليم، وقد حمل غلاف المجموعة صورة حقيقية التقطها الدكتور عمار السكجي رئيس جمعية الفلك الأردنية ويظهر فيها البدر “الأزرق العملاق” الساعة 9:26 م يوم الاثنين 19 أغسطس/آب 2024 حسب توقيت الأردن، والقمر العملاق يصعد وراء مسجد أبو درويش في جبل الأشرفية في عمان.
وعلى الغلاف الأخير جاء إهداء ثان ضمن ذاكرة تدوين إلى الكاتب الصحفي الأردني رشيد حسن الذي ولد في قرية شحمة في فلسطين عام 1944 وتوفي قبل عالم في عمان.