بغداد- ما زالت تداعيات سرقة القرن وهروب أبرز المتهمين فيها رجل الأعمال العراقي رئيس شركة “المبدعون” وشركة القانت للخدمات النفطية نور زهير تتصدر عناوين الأخبار، وتؤرق الحكومة العراقية لتعيش كابوسا جديدا، بعد اكتشاف “شبكة للتنصت” (ما عرف بشبكة جوحي) داخل مكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وهو ما يضع مستقبله السياسي وثقله الانتخابي مستقبلا على المحك.
وأصدر مجلس القضاء الأعلى بيانا الأحد، أكد فيه عدم دقة المعلومات المتداولة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص التحقيق بما يعرف بقضية “شبكة محمد جوحي” كون هذه المعلومات مبنية على التحليل والاستنتاج وبعيدة عن الحقيقة.
ومحمد جوحي هو معاون المدير العام للدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء الحالي وسكرتير الفريق الحكومي ومسؤول التواصل مع النواب.
أما “سرقة القرن” فقد كانت محكمة جنايات مكافحة الفساد قد أصدرت بتاريخ 27 من الشهر الماضي أمرا بإلقاء القبض على المتهم بسرقة الأمانات الضريبية نور زهير، إضافة إلى صدور مذكرة قبض أخرى بحق هيثم الجبوري رئيس اللجنة المالية بالبرلمان السابق والمستشار في حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
كما أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية اليوم -وعلى لسان رئيسها القاضي حيدر حنون- تقديم طلبين إلى محكمة الجنايات المركزية لمنحها قرارا يسمح بإصدار النشرة الحمراء وحجز أموال المتهم زهير، مع السعي لمذكرة قبض أخرى بحق الجبوري.
موعد جديد للمحاكمة
أشار عضو مجلس النواب مصطفى سند -وهو الذي كان له دور محوري في كشف خفايا “سرقة القرن”- إلى أن جلسة المرافعة مع المتهم الأبرز بالقضية زهير تم تأجيلها إلى التاسع من الشهر الجاري، لغرض جلب المتهم بعد صدور مذكرة قبض بحقه.
وقال سند -خلال حديثه للجزيرة نت- إنه تم تبليغ كفلاء زهير (عددهم 3 ومبلغ الكفالة 500 مليون دينار عراقي) وفي حال عدم إحضار المتهم فسيتم القبض عليهم، مبينا أن “ما تم إعلانه من مبلغ السرقة وصل إلى 3 تريليونات دينار، وفي حال أضيفت له الفوائد والتحويلات فستصل قيمة المسروقات إلى 5.5 تريليونات من مبالغ الأمانات الضريبية التي سجلت بعهدة 5 شركات.
وأضاف إن ما طرحه زهير من اتهامات لشخصيات أخرى بالتورط في السرقة، أو أخذ مبالغ رشاوى، لا تتعدى كونها اتهامات بغية تلطيخ سمعة الآخرين وتوريطهم معه وإغراق الجميع “لكنها بالعموم محاولات فاشلة”.
وبين الناشط بمجال مكافحة الفساد سعيد ياسين -للجزيرة نت- أن جميع المتهمين بقضية الأمانات الضريبية موقوفون على ذمة القضية، وعددهم يصل إلى 30 شخصا، بينما هناك اثنان من المتهمين ما زالا خارج التوقيف، وهما وزير المالية السابق إحسان عبد الجبار، وشاكر الزبيدي مدير الضرائب والجمارك السابق.
وقال إن أركان السرقات الضريبية وتحقيقاتها متكاملة، ويعتبر المتهم الأبرز زهير متعاونا مع القضاء، من خلال الإفصاح عن كل شيء، لافتا إلى أن إطلاق سراحه كان لغاية “إرجاع المبالغ بكفالة إلى حين انعقاد المحكمة، وهذا معناه أن التحقيقات مكتملة”.
وأضاف ياسين أن “عدم حضور زهير للمحكمة جعل القاضي يعتبره غائبا دون عذر شرعي، مما استوجب صدور مذكرة إلقاء قبض، وتهيئة ملف استرداد المطلوبين لدى دول أخرى”.
كما شدد على أن “العراق بحاجة لحوكمة القطاع المالي والمصرفي، واتخاذ تدابير وقائية ترتبط بالإدارة العامة لضمان عدم تكرار السرقات، مع دعم الجهات الرقابية والقضاء بقوانين جديدة دون ثغرات، مع توزيع الأدوار بينها وبين العدل والخارجية لاسترداد المطلوبين”.
من يقف خلف جوحي؟
وبشأن قضية شبكة جوحي للتجسس، وضّح الناشط بمجال مكافحة الفساد أن القضية ترتبط باستخدام أرقام هواتف وليست قضية تنصت بمعناها الموسع، حيث تضمنت استخدام أرقام للابتزاز والتواصل مع بعض السياسيين والإعلاميين “ومن السابق لأوانه الحكم عليها” مؤكدا أن “القضية حاليا لدى القضاء، وجميع المتهمين فيها محالون إلى لجنة تحقيق إدارية”.
وتابع ياسين أنه من الممكن أن تستخدم قضيتا سرقة القرن وجوحي للاستغلال السياسي خلال الانتخابات، بالتالي فإن الإعلان عن نتائجها في وقت قريب أمر ضروري “على اعتبار أن حجم قضية جوحي أكبر من حجمه كموظف بسيط” مشددا على “أهمية الشفافية لترسيخ الثقة بالنظام السياسي”.
وأكد أن استخدام قضايا كهذه تجاه الحكومة الحالية يمثل “طلقة الرحمة للحكومة الثالثة بعد إسقاط داعش (تنظيم الدولة)” داعيا إلى “مراجعة دائمة وتحقيق أمني موسع، وفحص جميع من يعملون ضمن المكاتب الرئاسية، لضمان عدم تكرار هذه الحالات وأن يكون هناك خطوط حمر لا يتم تجاوزها” متمنيا ألا يكون هناك مسؤول كبير خلف قضية جوحي المثارة.
كما قالت النائبة سروة عبد الواحد في تدوينة على منصة “إكس” إن “جوحي الذي زوَّر وهدَّد وأرسل أخبارا مفبركة إلى النواب ليس المتهم الوحيد بانتحال الصفة” مبينة أن “هناك شخص اسمه جهاد يدَّعي أنه مستشار رئيس مجلس الوزراء، والآن يجري التحقيق معه أيضا بسبب إساءته إلى رئيس الوزراء، من خلال استخدام اسمه وتهديده للنساء وإهانتهن، والقضية الآن أمام القضاء”.
ومن جانبه أكد رئيس المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية علي صاحب أن ملفي زهير وجوحي يعتبران من الملفات الشائكة، مرجحا تأثيرهما على رئيس الوزراء سياسيا وانتخابيا “وقد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير”.
وقال صاحب -للجزيرة نت- إن الفساد في العراق مر بمراحل عديدة، بدأت بحالات منفردة ثم تحول إلى ظاهرة، وبعدها انتقل إلى قاعدة حتى استقر كجائحة “قد تترك آثارا جسيمة قد تبقى مخرجاتها وآثارها إلى فترات طويلة” وأضاف “الفساد له جذوره العميقة في العراق، وقد تكون ممتدة لحكومات سابقة”.
وبين أن انتقال جوحي من عمله كموظف درجة سادسة في وزارة الصحة إلى رئاسة الجمهورية ثم رئاسة الوزراء يترك الكثير من التساؤلات حول وجود علاقة وثيقة بينه وبين السوداني، جعلته يصل لمكتبه.
وأكد صاحب أن “هناك قرصنة واضحة على الأموال العراقية، التي قد تكون سائبة في بعض الأحيان” مستبعدا “وجود مؤامرة خارجية في ملفات فساد ضخمة كهذه، خصوصا أن التحقيقات حتى اللحظة لم تثبت تورط شخصيات من الخارج فيها”.
عقوبات بالسجن
ووضح الخبير القانوني علي التميمي للجزيرة نت المواد القانونية والإجراءات الإدارية التي تتم من خلالها معالجة الجرائم المطابقة، وقال إن الجرائم أو المخالفات التي تحصل داخل الدوائر الحكومية تتم معالجتها من خلال لجنة تحقيق يشكلها رئيس تلك الجهة، معتبرا أن ما ذهب إليه رئيس الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى بما يتعلق بقضية جوحي “أمر صحيح وقانوني”.
وأضاف أن لجنة التحقيق ستطلع على كافة المحادثات بموافقات من القضاء لاستكمال التحقيقات تمهيدا لإرسالها إلى المحكمة، لافتا إلى أن “لجنة التحقيق إن لمست وجود جرائم أو مخالفات من هذا النوع فهي لا تسقط بالتقادم، وتعمل اللجنة على إحالتها للجهات القضائية”.
وفي حال ثبوت وقوع الجريمة وتم توثيقها، يوضح الخبير استنادا لقانون العقوبات أن عقوبة التنصت على هواتف الآخرين تصل إلى السجن 7 سنوات، أما بحال كانت الجريمة هي الاحتيال فتصل مدة الحكم فيها كجنحة إلى السجن 5 سنوات، وفي حال جريمة الابتزاز فقد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات، أما التهديد فيعد جناية يصل حكمها للسجن 7 سنوات.
وبين التميمي أن “محكمة التحقيق هي المعنية بتحديد نوع وطبيعة الجريمة، وكل من يرد اسمه بالمحادثات يعتبر شريكا بالجريمة كالفاعل الأصلي، ولا توجد حصانة لأي طرف يثبت تورطه بجريمة جنائية” مشددا على أنه “لا يوجد أحد فوق القانون، وهو ما أكد عليه رئيس الحكومة ضمن برنامجه الحكومي”.
ووضح التميمي أن جرائم كهذه قد تؤثر على “النظرة الدولية للعراق” وبالتالي فهي بحاجة إلى “تطبيق العقوبة الجزائية التي تؤدي للردع، وأن يتم إعلان نتائج التحقيق بكل شفافية أمام الشعب العراقي”.