الرباط – بعد مناقشته في البرلمان المغربي بغرفتيه والمصادقة عليه، صدر قانون العقوبات البديلة في العدد الأخير من الجريدة الرسمية.
وسيمكّن هذا القانون، الذي أثار الجدل خلال فترة مناقشته، من استبدال بعض العقوبات الموجبة للسجن وفرض بدائل أخرى ستخفف من الاكتظاظ في المؤسسات السجنية وتمكّن من تأهيل المدانين.
ويرى حقوقيون أن تنفيذ هذا القانون يتطلب موارد بشرية ومادية مهمة، إلى جانب فتح نقاش مجتمعي حول العقوبات البديلة لدفع المجتمع إلى تقبل هذا النوع من العقوبات والمساعدة في تأهيل المحكومين بها لإعادة إدماجهم من جديد.
نص القانون
حسب نص القانون الذي اطلعت الجزيرة نت عليه، فإن العقوبات البديلة هي “تلك التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها 5 سنوات حبسا نافذا”.
ويستثنى من هذه العقوبات المحكومون في جنح تتعلق بأمن الدولة والإرهاب والاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، وغسل الأموال والجرائم العسكرية والاتجار الدولي في المخدرات في المؤثرات العقلية وفي الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
وحدد القانون 4 عقوبات بديلة هي:
- العمل لأجل المنفعة العامة.
- المراقبة الإلكترونية.
- تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
- الغرامة اليومية.
ووفق ما جاء في القانون، فإن الحكم بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة يكون بديلا للعقوبة السالبة للحرية إذا كان المحكوم عليه يبلغ من العمر 15 عاما على الأقل في تاريخ صدور الحكم.
ويكون العمل لأجل المنفعة العامة غير مؤدى عنه، وينجز لمدة تتراوح بين 40 و3600 ساعة لفائدة مصالح الدولة أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية أو الخيرية أو دور العبادة، أو غيرها من المؤسسات أو الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية العاملة لفائدة الصالح العام.
ويراعى في العمل توافقه مع جنس وسن ومهنة أو حرفة المحكوم عليه، أو مع مؤهلاته وقدراته، كما يمكن أن يكون مكملا لنشاطه المهني أو الحرفي المعتاد.
أما فيما يخص تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، فإن هذه العقوبات تستهدف اختبار المحكوم عليه للتأكد من استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج. ومن هذه العقوبات مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا أو تتبعه دراسة أو تأهيلا مهنيا معينا، أو إقامته بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته أو بعدم مغادرته في أوقات معينة.
كما تشمل فرض رقابة يلزم بموجبها بالتقدم في مواعيد محددة إما للمؤسسة السجنية وإما لمقر الشرطة وإما للدرك الملكي وإما لمكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة، أو خضوعه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان.
وبخصوص عقوبة الغرامة اليومية، فقد حدد القانون المبلغ ما بين 100 و2000 درهم (بين 10 و200 دولار) عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، مع مراعاة الإمكانيات المادية للمحكوم عليه أو ذويه وتحملاته المالية وخطورة الجريمة المرتكبة والضرر المترتب عنها.
ثورة هادئة
يرى رئيس المرصد المغربي للسجون عبد اللطيف رفوع أن قانون العقوبات البديلة -الذي سيصبح ساري التطبيق بعد 6 أشهر- هو بمثابة “ثورة هادئة” ستحل مجموعة من المشاكل في المؤسسات السجنية.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار إلى أن الاكتظاظ في المؤسسات السجنية ظاهرة تقر بها تقارير رسمية عديدة وكان من الضروري التفكير في حلول للحد منها، وأنه يوجد في المغرب حاليا 77 مؤسسة سجنية، ومع ذلك “لا يمكنها استيعاب العدد الكبير من النزلاء”.
وفاق عدد النزلاء 100 ألف سجين إلى غاية أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفق بيانات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في وقت لا تتجاوز فيه الطاقة الاستيعابية للسجون 64 ألفا و600 سرير.
وبلغ معدل الاعتقال في المغرب 272 سجينا لكل 100 ألف نسمة، مما بوأه الصدارة عربيا وفي محيطه الإقليمي في هذا المجال.
وبرأي رفوع، فإن الحل ليس بناء السجون، ولكن اعتماد مقاربة حقوقية وقانونية يمكن من خلالها تمتيع السجين بكل حقوقه التي تتعلق بالاستفادة من المساحة المستغلة أو من البرامج التأهيلية وإعادة الإدماج.
وأوضح أن قانون العقوبات البديلة -الذي ينتظر تطبيقه على المحكومين بأقل من 5 سنوات- من شأنه التخفيف من عدد النزلاء في السجون خاصة وأن نسبة مهمة منهم يقضون عقوبات لا تتجاوز سنتين.
ويمثل المحكومون بـ5 سنوات نحو 25% من نزلاء المؤسسات السجنية، وفق ما أعلن عنه نواب برلمانيون خلال مناقشة القانون في لجنة العدل والتشريع.
وحسب رئيس المرصد المغربي للسجون، يوجد في المؤسسات السجنية محكومون في قضايا تتعلق بتعاطي المخدرات، وتساءل “فهل الأفضل لهم وللمجتمع وضعهم في السجن أم في مؤسسة علاجية ودفعهم لقبول الخضوع لحصص العلاج من الإدمان؟”.
وبرأيه، أن بعض الجنح يكون الحكم على مرتكبيها بعقوبات بديلة في مصلحة الشخص والمجتمع “لتجاوز المحنة القانونية العابرة التي سقط فيها”.
موارد بشرية ومالية
ويتطلب تفعيل قانون العقوبات البديلة موارد بشرية ومالية لتنفيذ المواد التي جاء بها مثل السوار الإلكتروني والتأهيل الطبي وغيرها. ويقول رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عادل تشيكيطو إن التنفيذ يحتاج إلى تكلفة باهظة.
وأوضح للجزيرة نت أن الحكومة تفاعلت مع هذه القضية سواء خلال النقاش مع الفرق البرلمانية في لجنة العدل والتشريع، أو في عدد من اللقاءات، وأكدت أنها مستعدة لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ التدابير التي وردت في القانون.
من جهة أخرى، يؤكد المتحدث أهمية استعداد المجتمع لتقبل هذا النوع من العقوبات التي لا يشكل مرتكبوها -برأيه- خطرا كبيرا على الناس. وقال “سيكون هؤلاء المحكومون موجودين في الإدارات والمؤسسات الحكومية لأداء عقوباتهم البديلة مثل عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة”.
وتساءل تشيكيطو “هل هيأنا المجتمع للتعامل معهم والمساعدة في إدماجهم وإصلاحهم؟ وهل المجتمع والحكومة والإدارة والمسؤولون فيها مستعدون لتحقيق مبدأ الحق في فرصة ثانية بالنسبة للأشخاص الذين أخطؤوا ووجدوا أنفسهم في نزاع مع القانون؟”.
وأكد أن النجاح في تطبيق هذا القانون لن يتم إلا بتحقيق تعبئة مادية ومجتمعية، داعيا الحكومة إلى إطلاق حملة توعية وتربية الناس للتفاعل معه.
وبرأيه، فإن العقوبات البديلة التي جاء بها القانون ليست وحدها الكفيلة بالحد من اكتظاظ السجون، بل ينبغي أن ينضاف إليها ترشيد الاعتقال الاحتياطي الذي يجري النقاش بشأنه، حيث يشكل المعتقلون احتياطيا -الذين لم يصدر في حقهم حكم نهائي- نحو 40% من الساكنة السجنية.