الخليل- تعيش نحو ألف أسرة فلسطينية بحالة أشبه بحظر تجول دائم وسط مدينة الخليل وبمحاذاة المستوطنات والبؤر الاستيطانية بالمدينة جنوبي الضفة الغربية، لكن الوضع يزداد صعوبة يوما بعد يوم.
ففي غضون أسبوع تعرض قطيعا أغنام، يملكهما مواطنان من عائلة الجعبري، للتسميم مما أدى إلى نفوق بعضها، وذلك خلال اعتداءات نفذها مستوطنون واستهدفت منزليهما.
ويحرص سكان المناطق المغلقة في الخليل على تربية الأغنام كمصدر للرزق والطعام معا، في ظل الحصار المشدد عليهم.
وآخر المتضررين كان المواطن عبد الكريم الجعبري الذي يقطن بمحاذاة مستوطنة “كريات أربع” بالشطر الشمالي الشرقي من المدينة، حيث تعرض منزله للاعتداء من قبل المستوطنين الليلة الماضية.
“أسوأ جار”
يقول الجعبري للجزيرة نت “عادة عندما يهاجمنا المستوطنون نلتزم البيوت ونغلق على أنفسنا الأبواب، ومع انجلاء النهار نغادرها لنتفقد أملاكنا”.
ويقتني هذا المواطن 22 رأسا من الأغنام وأخرجها بعض الوقت من حظيرتها صباحا، لكنه فوجئ بنفوق خمس منها على الفور، فسارع إلى إحضار أدوية مضادة للسموم لباقي الأغنام.
ويقول الجعبري إنه لم يستطع تحديد مصدر السم ونوعه وفيما إذا كان وضع في الماء أو تم رشه في محيط الحظيرة، لكن النتيجة كانت نفوق 5 رؤوس بسموم وضعها المستوطنون.
ويشير إلى مشقة وحياة قاسية تعيشها عائلته بجوار مستوطنة كريات أربع، بل ويقول إن “أسوأ شخص في المستوطنة وأكثرها حقدا يجاوره وهو وزير الأمن إيتمار بن غفير” الذي قال إنه يهدده بالاستيلاء على الأراضي الممتدة من مستوطنة كريات أربع حتى المسجد الإبراهيمي وسط المدينة.
وتعد هذه حادثة التسميم الثانية في غضون أسبوع وسط مدينة الخليل، إذ تعرضت أغنام ابن عمومته رامي أحمد الجعبري لتسميم مماثل، وأثبتت تقارير فلسطينية تعرضها للتسميم.
من جهته يصف الناشط ومؤسس “تجمع شباب ضد الاستيطان” بالخليل، عيسى عمرو، وضع العائلات الفلسطينية في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية من المدينة بأنه “صعب جدا”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن “الوضع صعب جدا داخل المدينة والمناطق الريفية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث سياسة تصعيب الحياة من أجل الترحيل، في ظل انشغال العالم بغزة والحرب المدمرة هناك”.
ويقول إن المستوطنين -بزي جيش الاحتلال وحمايته ودعم إعلامي وسياسي- يطلقون العنان لأنفسهم للضغط على المواطنين الفلسطينيين للتخلص منهم، وبات كل شيء يملكه الفلسطينيون من مقومات الحياة عرضة للاعتداء.
ملاحقة مقومات الحياة
وفق الناشط الحقوقي فإن المستوطنين لا يريدون أن يروا مقومات حياة للسكان في قلب الخليل والتجمعات الرعوية المتناثرة “بما في ذلك إغلاق المناطق، وهدم الآبار والبيوت، وتخريب أنظمة توليد الكهرباء”.
ويتابع أن المستوطنين يستهدفون بشكل مباشر الأمن الشخصي للمواطنين وغذاءهم ورزقهم ليصعّبوا عليهم الحياة وتهجيرهم، وبالتالي كسب حقائق على الأرض. ويقول إن تسميم الأغنام فيه ضربة اقتصادية لها علاقة بالغذاء ومصدر الرزق والطعام للعائلات الفلسطينية.
ويلفت عمرو إلى أن الظروف السابقة دفعت نحو 20% من العائلات بالمنطقة المصنفة “خ2” إلى مغادرتها، ونحو 20% منها للتنقل بين المنطقة المغلقة وخارجها خاصة في عطلة نهاية الأسبوع حيث تُمنع حركة السكان.
وقسّم اتفاق الخليل مع منظمة التحرير المدينةَ إلى منطقتين: (H1) “خ1” وتخضع للسيطرة الفلسطينية وتشكل نحو 80% من المدينة دون ريفها، و(H2) “خ2” وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة بما فيها المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة حيث تسكن نحو ألف عائلة فلسطينية وقرابة 600 مستوطن.
يحذر الناشط من “خطر حقيقي يتمثل في ضم أجزاء واسعة من الخليل إلى إسرائيل بما في ذلك منطقتا عين سارة ورأس الجورة الحيويتان، ومعاملة هذه المناطق كجزء من إسرائيل وتقييد وصول سكان الخليل إليها”.
مستوطنون يسممون أغنام مزارعين فلسطينيين في أريحا بالضفة الغربية pic.twitter.com/SHuWh9Yv62
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) September 13, 2024
اعتداءات وقتل
ووفق معطيات هيئة “مقاومة الجدار والاستيطان” الفلسطينية، فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى منتصف سبتمبر/أيلول الجاري أدت اعتداءات المستوطنين إلى تهجير أكثر من 28 تجمعاً بدوياً كان يعيش فيها 311 عائلة فلسطينية من أماكن سكنها إلى أماكن أخرى.
وقد أدت تلك الاعتداءات إجمالا إلى استشهاد 19 فلسطينيا وإصابة أكثر من 785 بجراح، وفق هذه الهيئة.
ومنذ بدء العام الحالي، نفذ المستوطنون قرابة 1760 اعتداء، أدت إلى استشهاد 9 مواطنين في مناطق متفرقة من الأراضي الفلسطينية، وفق نفس المصدر.
وإضافة إلى المستوطنات العديدة المنتشرة في جبال محافظة الخليل، يقيم الاحتلال على أرض المدينة مستوطنة “كريات أربع” بينما تنتشر البؤر الاستيطانية بين السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة.
ووفق تقرير لمنظمة “أطباء بلا حدود” نشر في أغسطس/آب، فإن “خ2” من أشد المناطق حظرًا بالضفة الغربية، حيث توجد 21 نقطة تفتيش دائمة تخضع لإدارة القوات الإسرائيلية وتتحكم في حركة السكان الفلسطينيين، وتشكل عوائق كبيرة أمام العاملين بمجال الرعاية الصحية الذين يحاولون الوصول إلى المنطقة.
وإضافة إلى نقاط التفتيش، ينشر الاحتلال عشرات العوائق والحواجز الثابتة والملموسة من بوابات وسواتر إسمنتية ونقاط مراقبة عسكرية.
وتبذل مؤسسات إغاثية وحكومية جهودا للتخفيف من العبء الذي يعيشه المواطنون نتيجة اعتداءات المستوطنين بتوفير أعلاف لأغنامهم تارة، أو بدائل لمساكنهم التي تهدمت ومواد غذائية.