Login النشرة البريدية

تشهد الحدود الأردنية تصاعدا ملحوظا في عمليات إحباط تهريب المخدرات من إسرائيل، بالتزامن مع التوترات العسكرية التي تشهدها المنطقة، بدءا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ووصولا إلى التصعيدات في لبنان.

فرغم أن ملف تهريب المخدرات ليس جديدا، فإن تلك الأوضاع السياسية في المنطقة حركت من وتيرة عمل مجموعات التهريب، خاصة في النصف الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وفق خبراء أمنيين وعسكرين.

وعلى إثر ذلك، بات الأردن يواجه سيناريو جديدا أصبحت فيه إسرائيل مصدرا لتصدير المخدرات، حسبما يكشف مسؤولون حصريا للجزيرة نت في هذا التقرير الذي يحكي تفاصيل عمليات التهريب.

الحدود مع إسرائيل أكثر نشاطا

منذ 19 أغسطس/آب الماضي، أعلن الأردن إحباط 32 محاولة تهريب مواد مخدرة حتى تاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، جلها في المنطقة العسكرية الجنوبية المحاذية للجانب الإسرائيلي، وفق ما رصدته الجزيرة نت عبر موقع الجيش الأردني.

يقابل ذلك تأكيد أردني رسمي أن البلاد مستمرة في تسخير إمكاناتها وقدراتها للتصدي لمثل هذه المحاولات التي تقول إنها “تستهدف الأمن الوطني”، في حين لا تحدد أو تشير إلى تورط أي أطراف في هذه العمليات، مكتفية بتحديد الواجهة العسكرية.

وحسب معلومات كشف عنها مدير إدارة مكافحة المخدرات الأردنية الأسبق طايل المجالي، للجزيرة نت، يتأكد تورط إسرائيل في تهريب المواد المخدرة للأردن، إذ سُجلت عدة قضايا خلال الأشهر القليلة الماضية تؤكد أن مصدر المواد المرسلة هي إسرائيل، وهناك تزايد كبير في عمليات التهريب من هذا النوع، على حد تعبيره.

ويتفق العميد المتقاعد ضيف الله الدبوبي مع ما تحدث به المجالي، ويضيف أن الأردن يشهد ما سماها “هجرة معاكسة للحبوب المخدرة”، حيث تبدأ عمليات التهريب من سيناء مصر مرورا بإسرائيل ووصولا إلى الأردن.

وعن مصدرها، يشرح الدبوبي أن “ثمة مجموعات تقطن في مناطق بئر السبع والنقب تمتلك إمكانيات مالية كبيرة وقادرة على تهريب المخدرات بواسطة أدوات حديثة مثل الطائرات المسيرة، ومن المتوقع أن تتطور في قادم الأيام لتهريب أسلحة”.

جنود من الجيش الأردني يقومون بدوريات على طول الحدود مع سوريا لمحاربة الاتجار بالمخدرات (الفرنسية- أرشيف)

في حين يقول الإعلام الإسرائيلي -نقلا عن مصادر في وحدة “أوزبات أدوم” وهي المسؤولة عن الحدود الإسرائيلية المصرية حتى إيلات- إن عصابات تهريب المخدرات في سيناء بمصر “بدأت مؤخرا بتهريب أنواع مختلفة من المخدرات إلى إسرائيل باستخدام طائرات دون طيار”، مشيرا إلى أنها في تزايد، فبعد أن كانت حالات فردية أصبحت الآن ظاهرة أوسع بكثير.

يتفق الخبيران على أن إسرائيل تتواطأ مع هذه المجموعات، ويؤكدان أنه إذا لم يكن على المستوى الرسمي، فهو على مستوى وحدات الجيش الإسرائيلي التي تساهم وتسهل وصول هذه المخدرات للحدود مع الأردن.

ولا يبدو أن هذه المجموعات المدعومة تستهدف الأردن الذي أغرقته جارته سوريا بالمخدرات، ولكنها تستهدف دول الخليج، وفق حديثه.

وحسب الدبوبي، إن انشغال الجيش الإسرائيلي بالحرب في لبنان وغزة والجولان، وانشغال الجيش المصري بمحور فيلادلفيا الواصل بين مصر وغزة، ساهم في تنشيط عمل هذه المجموعات، إذ تعد الحروب بيئة خصبة لعملها.

ومع هذه المؤشرات التي تؤكد تعقيد القضية، يجد الأردن نفسه مرغما على تركيز موارده باتجاه واحد، أمن حدوده الغربية بالتحديد.

وحتى قبل ذلك، كان تهريب الأسلحة المتزايد للضفة الغربية يقلق الأردن، بالرغم من أن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لعام 1994 تُلزم البلدين بمنع التهريب عبر الحدود في إطار التزاماتهما الأمنية واسعة النطاق.

كيف يتم التهريب؟

يتفنن المهربون في اختيار طريقة التهريب، فما بين حشوها في آليات ثقيلة وفي الفاكهة والمواد الغذائية والخضراوات ووقود السيارات والحيوانات، وصل الأمر إلى توظيف النساء والأطفال في إدخال المخدرات للأردن، وذلك وفق أحكام قضائية اطلعت عليها الجزيرة نت.

بيد أن هذه المجموعات أصبحت أكثر تطورا، إذ توظف التكنولوجيا في عملها، كإرسال قذائف وصواريخ محملة بالمواد المخدرة، ومؤخرا بات الاعتماد الأكبر على الطائرات المسيرة التي تعُدل خصيصا للتهريب.

وأصبح الاعتماد التام عليها، فمنذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري جميع عمليات إحباط التهريب -التي أعلن عنها الجيش الأردني- كانت بواسطة الطائرات المسيرة التي بات الأردن يعتبرها متطلبا أساسيا في المرحلة الحالية، في ظل التطور التكنولوجي والتقني الذي ألقى بظلاله على الحروب الحديثة.

وتشير بيانات الجيش المتتالية، يوما بعد يوم، إلى أنه عند رصد هذا النوع من الطائرات بدون طيار يتم تطبيق قواعد الاشتباك وإسقاطها داخل الأراضي الأردنية، ويتبين أنها محملة بالمواد المخدرة، ويتم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة.

وعلى ما يبدو أن ثمة توجها واهتماما بنوع المواد المخدرة على حساب الكمية، باعتبار أن الطائرات المسيرة المستخدمة في عمليات التهريب هي طائرات صغيرة الحجم ورخيصة الثمن، بعضها لا يتجاوز ثمنه 5 آلاف دولار، وعادة مثل هذه الطائرات لا تحمل حمولات كبيرة، حسب الخبير الإستراتيجي الدكتور عمر الرداد.

إلى جانب ذلك، يعزو الخبراء الاعتماد الكبير على هذه النوع من التكنولوجيا، لكونها أسهل استخداما وأسرع وصولا وقادرة على حمل أنواع المخدرات كافة إذا عدلت بطريقة احترافية، واحتمالية ضبطها أقل إذ تحتاج إلى جهود دولية واتفاقات حدودية لضبطها والحد منها.

رح مصدر مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، أن المنطقة العسكرية الشمالية، أحبطت ظهر اليوم الأحد، على إحدى واجهاتها محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة (درون) قادمة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية. موقع: القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي
الأردن أسقط عدة مسيّرات قادمة من الأراضي السورية يحمل بعضها مخدرات وأخرى أسلحة (الجيش الأردني)

أما عن مصدرها، فيقول العميد الركن صالح العبادي أن مجموعات التهريب تقوم إما بشراء الطائرات أو تهريبها أو التقاطها من مخلفات الحروب، ولم يعد الحصول عليها أمرا صعبا.

ومن الصعب معرفة مكان إرسال الطائرة أو تحديده إذا كانت المسافات بعيدة وتكون المسيرة تتخطى الحدود الجغرافية الأرضية والبحرية والجوية، ويمكن كشف مكان الاستقبال بالمراقبات البصرية سواء الرؤية العادية وهي محدودة أو أجهزة الرؤية الإلكترونية النهارية والليلية، وهذا يعتمد على مدى دقة أجهزة الرؤية، وفق حديثه للجزيرة نت.

في المقابل، يعمل الأردن أيضا على تعزيز منظومته الأمنية، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2022 أطلق أول موقع اختبار في المنطقة للمنظومات الجوية غير المأهولة، والتكنولوجيا المضادة للمنظومات الجوية غير المأهولة، والحرب الإلكترونية.

وتضمنت التجربة مجموعة اختبارات تشمل التسليم بالطائرات المسيّرة والطلعات الجوية الاستطلاعية، ويعد ذلك تقدما جوهريا للتصدي لهذا النوع من التهديد، خاصة على الحدود.

ومع ذلك، لم يحقق الأردن كامل إمكاناته، ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى عدم كفاية التمويل ودعم التطوير.

وإن كانت مواجهة الطائرات وإسقاطها أمرا ممكنا، فإن معرفة شخصيات وهويات المهربين أمر مستحيل، فإذا تم إسقاط الطائرة المسيرة ولم يستشعر الجانب الآخر (المرسل) من الممكن أن تفحص ومن ثم تستخرج اللوحة الرقمية وآلات التصوير، بالتالي سيكشف عن مصدرها فقط.

وثمة عوامل أخرى تحد من التقاطها إلكترونيا، كأن تكون بارتفاع قريب من سطح الأرض، وأيضا يلعب الطقس دورا في تحديدها، ففي الأجواء الغائمة يصعب التقاطها، على حد تعبيره.

المخدرات السورية

تحافظ سوريا على مكانتها بوصفها مصدرا أوليا لتهريب المخدرات إلى الأردن، إذ تشهد المحاكم الأردنية مئات القضايا التي أدين فيها تجار سوريون وأردنيون، وفق محرك البحث القانوني “قسطاس”، وكان قد مثل 25 ألف شخص أمام القضاء خلال عام 2023 بقضايا مخدرات نسبة الإدانة فيها 91%.

وسبتمبر/أيلول الماضي، أحبطت الجمارك الأردنية محاولة تهريب 3 كيلوغرامات كريستال مخبأة داخل شادر شاحنة وأكثر من مليون حبة كبتاغون مخدر قادمة من سوريا، كانت 852 ألف حبة منها مخبأة بداخل أجزاء ميكانيكية لمركبة، وفي حين تم ضبط 200 ألف في شاحنة أخرى في صندوق التبريد.

في حين تمر عمليات التهريب بفترات مد وجزر وتتصاعد بشكل لوغاريتمي، إذ تتحكم بها عدة عوامل، مثل الموسم أو الطقس إذ تزداد في فصل الشتاء، وتتراجع في الصيف لعدم وجود الضباب والغبار، حسب الباحث في ملف المخدرات صلاح الملكاوي.

إلى جانب هذه العوامل، يبدو من الواضح من خلال الأحكام القضائية في “قسطاس” والأسماء الواردة أن الطابع العشائري للمناطق الحدودية بين الأردن وسوريا كانت عاملا مساعدا، فالمرسل من البلد الثانية ينتظره غالبا ابن عشيرته في الأولى، باعتبار أن التهريب يعتمد على الثقة المتبادلة بين الطرفين.

ويقول ملكاوي -في حديثه للجزيرة نت- إن تهريب المخدرات من سوريا للأردن بات سيناريو واضح المعالم، ولا يمكن الحديث عن المنطقة العسكرية الجنوبية بمعزل عن المنطقة العسكرية الشمالية الشرقية (الحدودية مع سوريا)، فالمواد التي تدخل من الشمال تُهرب من الجنوب.

ولكنه يرى أن الأوضاع السياسية في المنطقة غيرت من قواعد اللعبة قليلا، وأصبحت إسرائيل أيضا تهرب من خلال الأردن لدول الخليج، لتواصل عمّان السير بدرب محفوف بالمخاطر في ظل اضطرابات جيوسياسية.

واللافت في الأمر أن مجموعات التهريب من إسرائيل ومصر تستنسخ الأسلوب والطريقة من مجموعات تهريب المخدرات في سوريا، وفي كل الحالات يشكل الأردن الممر ومنه إلى العالم أجمع، ولكن يبقى السؤال: إذا كانت نيات مجموعات التهريب السورية -وفق الخبراء- تحمل مشروعا سياسيا ضخما، فماذا تريد إسرائيل؟

شاركها.
Exit mobile version