تصاعدت خلال السنوات الأخيرة المطالب باستخدام العملات الوطنية في المبادلات التجارية بين الدول بدلاً من الدولار الأمريكي، وهي المطالب التي ارتبطت بالسياق الراهن للاقتصاد العالمي؛ إذ تشير تقديرات التجارة العالمية إلى هيمنة الدولار على نحو واسع على حركة هذه التجارة؛ حيث يتم استخدامه في ما لا يقل عن 4 أضعاف التجارة الخارجية الأمريكية.
وتسعى بعض القوى العالمية إلى إزاحة الدولار الأمريكي من قمة سوق العملات في العالم، وهو ما حدا ببعض الدول إلى تحفيز التبادلات التجارية بعيداً عن الدولار، وهو مسعى من المرجح أن يتصاعد.
وأوضحت ورقة بحثية حديثة أعدها مركز «إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية» في أبوظبي أن الدولار الأمريكي لا يزال يهيمن على نحو 90% من إجمالي تجارة معظم الدول النامية أو الصاعدة مع العالم.
مؤشرات رئيسة
وأشار «إنترريجونال» إلى أن العديد من الدول أصبحت أكثر تحفزاً لاستكشاف التجارة باستخدام العملات الوطنية، واستخدام أنظمة الدفع الدولية بخلاف النظام الدولي «سويفت» الذي يتأثر بشدة بالولايات المتحدة وقد نما بالفعل دور العملات الوطنية مؤخراً.
تصاعد العملات الوطنية
وتتمثل أهم مؤشرات تصاعد العملات الوطنية في التجارة بين الدول في العديد من التحركات والتي من أبرزها: قيادة الصين وروسيا اتجاه التخلي عن الدولار عالمياً وإجراء التجارة بالعملات الوطنية ولا سيما في روسيا والصين والهند.
توترات
وأشار «إنترريجونال» إلى أن العديد من الخبراء الدوليين قد اتفقوا مع صندوق النقد الدولي على أن التوترات الأمريكية الروسية وغيرها عالمياً جعلت العديد من الدول الأخرى تدرك أهمية تجاوز أي اعتماد على الدولار الأمريكي، كما أن التجزئة على مستوى أصغر أمر ممكن بالتأكيد؛ حيث يُشاهد في الفترة الأخيرة قيام بعض البلدان بإعادة التفاوض بشأن العملة التي تتقاضى بها مقابل التجارة.
قيود
وأضاف «إنترريجونال»: إن التداول بالعملات الوطنية يمكن أن يخفف القلق بشأن استخدام الدولار في التجارة؛ ما يساعد الدول على استيراد المواد الخام والطاقة بأسعار معقولة لأنشطتها التصنيعية. ومع ذلك فإن هناك العديد من القيود التي يجب الانتباه إليها.
ويمكن توضيح أهم أسباب لجوء الدول إلى التبادل التجاري بالعملات الوطنية في تقنين الاعتماد على الدولار في المعاملات الدولية حيث يدفع ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي قيمة السلع والخدمات بالنسبة إلى حائزي العملات الأخرى، وهو ما يدفع الدول نحو البحث عن بديل ولا ينفصل تزايد استخدام العملات الوطنية في المبادلات التجارية في الفترة الأخيرة عن الأزمات القائمة في النظام الدولي التي عكست طريقة تفاعل غربية متشددة.
معضلة الاستقرار
وأشار «إنترريجونال» إلى أنه وبالرغم من التوجه المتنامي لاستخدام العملات الوطنية في المبادلات، فإن هذه العملات تتسم بأنها ليست مستقرة دائماً، ويمكن بسهولة أن تتأثر بالسياسات الاقتصادية والنقدية المحلية؛ وفي الوقت الذي تكون فيه العملات الوطنية قابلة للاستخدام في التجارة قصيرة الأجل، فإنها تظل غير موثوقة على المدى الطويل كخيار للادخار أو كعملات احتياطية يمكنها الصمود أمام العديد من العوامل.
وأكد «إنترريجونال» أن التحرك نحو نزع «الدولرة» من التجارة العالمية لا يزال في مرحلته الأولى وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل العديد من الدول في محاولات التخلص من هيمنة الدولار على حركة التجارة العالمية، فإن العالم لا يزال عالقاً مع الدولار الأمريكي، ليس لأنه يخلق امتيازاً باهظاً للاقتصاد الأمريكي الذي ستحارب واشنطن من أجله، ولكن لأنه يسمح للعديد من أكبر الاقتصادات في العالم باستخدام جزء من الطلب الأمريكي لتغذية النمو المحلي.
صنع السياسات
ومع الإقرار بحقيقة أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد هذا العملاق الذي كان عليه في السابق – فإن المُلاحَظ اقتصادياً هو استمرار هيمنة الدولار على غيره من العملات؛ للعديد من الأسباب التي تناولها تقرير مجلة «فورين أفيرز»، والذي يشير إلى المشكلات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ارتفاع ديونها العامة، وعدم انتظام عملية صنع السياسات، بجانب أن التهديدات المستمرة بالتخلف عن سداد الديون تعمل على تقويض التصور بأن سندات الحكومة الأمريكية آمنة الأمر الذي دفعهم إلى إعادة تقييم ثقتهم بالدولار والبحث عن بدائل.
ويشير تقرير «فورين أفيرز»، إلى العوامل المختلفة لاستمرار هيمنة الدولار عالمياً، وهي العوامل التي حددها في استمرار مكانة الدولار عملة الاحتياط العالمية الرئيسة حيث إن 59% من احتياطات النقد الأجنبي في البنوك المركزية في العالم موجودة في أصول مقومة بالدولار، أو أصول يتم تحديد قيمتها الاسمية وأسعارها بالدولار.
وبالرغم من الأسباب المتعددة لتراجع الثقة بالعملة الأمريكية، إلا أنه لا تزال العوامل الاقتصادية والجيوسياسية تزيد من حوافز البنوك المركزية العالمية على تنويع احتياطاتها من النقد الأجنبي، فإن الحقيقة أن الدولار يظل قوياً وراسخاً في الاقتصاد العالمي كما لا يتعلق تفوق الدولار بقوة الولايات المتحدة بقدر ما يتعلق بنقاط الضعف في اقتصادات بقية دول العالم.